رأي: تعريف الصكوك ومشروعيتها
مراجعة سريعة لتعريف السندات يُثبت أنّ السند هو أداة دَيْن تصدر لفترة زمنية محددة بهدف تحصيل السيولة النقدية من خلال الاقتراض، يتم تعويض حاملي السندات بفائدة ثابتة أو متغيرة، ممّا يسمح الاستنتاج أنّ السّندات بهذا الوصف تتماثل مع القروض التقليدية مقابل فائدة، وبالتالي فهي محرّمة شرعا.
و تأتي الصكوك، وهي صيغة الجمع من مصطلح اللغة العربية “الصكّ” والتي تعني “شهادة ملكيّة”، في مضمار جمع السيولة النقدية لتمويل المشروعات لتكون بديلاً عن السّندات، حيث تُصكَّك الأصول المنتجة وتُباع إلى المستثمرين، ويقترن البيع بوعد من بائع الأصول بشرائها مرة أخرى بسعر السّوق مما يسمح للمستثمرين من حملة الصكوك استرداد رؤوس أموالهم، بينما يتمتعون خلال فترة تملّكهم للأصول بالإيرادات والعوائد التي تنتجها هذه الأصول.
إنّ التوريق أو التصكيك الشرعي يجب أن يوضح حيازة المستثمرين، حملة الصكوك، على حقوق والتزامات في أصول الصكوك وذلك لضمان مشاركتهم المباشرة في توزيع المخاطر والعوائد، كما إنّه لا يجوز توريق الدّيون بشكل مستقلّ.
ولا بدّ من الناحية الفعلية والتطبيقية أن يشمل التوريق الشرعي تحقيق عوائد ماليّة متوقعة ومنافع ناتجة عن إستثمار مباشر في أعمال ونشاطات إقتصادية حقيقية ومُنتجة، متوافقة مع الأحكام الشرعية. ويصحّ تطبيق التوريق في الحالات التي تسمح بنقل عناصر كافية من الملكيّة القانونيّة أو النفعيّة للمستثمرين في أصول إقتصادية حقيقية، ويرتبط تحقيق عوائد الأوراق المالية أو الصكوك بالاستثمار والأصول التي استثمر من خلالها حملة الصكوك. أمّا أهداف الاستثمار، يجب أن تشمل تمويل وإنتاج سلع ومنتجات حقيقية. أمّا المبادىء التي يجب أن تنطبق على التوريق الشرعي فهي التالية:
• تحديد هدف إقتصادي حقيقي مقابل تحصيل السيولة النقدية من الأسواق الماليّة من خلال عملية التوريق أو التصكيك.
• أن تكون الصكوك مدعومة بأصول حقيقية ومعيّنة أو ممكنة التعيين بأن تكون موصوفة بالذمّة، وغير قابلة للإستهلاك.
• نقل حدّ أدنى من ملكيّة أصول الصكوك إلى المستثمرين، حملة الصكوك.
• أن يشارك كلّ مستثمر من حملة الصكوك في الحقوق والالتزامات التابعة لأصول الصكوك.
• أن يشارك كل مستثمر من حملة الصكوك في المخاطر والعوائد للإستثمار، ويستلم حملة الصكوك إيرادات في حالة تحقيق الرّبح فقط.
• يحصل حملة الصكوك على عوائد مقابل المشاركة في المخاطر المباشرة للأعمال من خلال الإيرادات الناتجة من أصول الصكوك.
فيكون تعريف التوريق من المنظور الشرعي، بناءً على ما سبق، أنّه جمَع عدد من الأصول التي تملكها الدولة أو الشركات، متقوّمة شرعاً، وغير قابلة للاستهلاك، في وعاءٍ واحد، تتمتع بالقدرة على إنتاج إيرادات وعوائد، بحيث تنتقل حقوق والتزامات هذه الأصول إلى حملة الصكوك، ويشاركون في المخاطر المرتبطة بهذه الأصول، ويشتركون في عوائدها، بالنّسبة والتناسب مع حجم المساهمة لكل مستثمر في إجمالي قيمة الصكوك. ولا مانع من إضافة بعض العناصر التي تضفي مزيداً من الثقة والإطمئنان للمستثمرين من حملة الصكوك كتحسين الشروط الإئتمانية مثل الرهونات العقارية أو ضمان طرف ثالث مستقل ممّا يتوافق مع الأحكام الشرعية.
وخلاصة الموضوع، أنّ عملية التوريق الشرعي، يكتنفها إجراءات معقدة وطويلة الأجل في إطار بناء وتأسيس الورقة الماليّة أو الصكوك، وهيكلية التمويل، وآلية التنفيذ بحيث تتوافق خصيصاً مع متطلبات منشآت الأعمال التي تطلب التمويل في مختلف القطاعات الإقتصادية، والمؤسّسات الماليّة، والحكومات. وهذا يستدعي تضافر خبرات وجهود الخبراء والعاملين المتخصّصين والمحترفين في مختلف قطاعات الأعمال مثل الإقتصاد، التمويل والتحليل المالي، المصارف، الأسواق المالية، المحاسبة، الضرائب، القانون، الرياضيات، التسويق، إدارة المخاطر، وغيرها من الإختصاصات التي يحتاج التمويل إلى استخدامها دون أن نغفل أنّ على رأس هذه الإختصاصات جميعاً، الشريعة الإسلاميّة.
أنور مصباح سوبرة
الوطن