هل تندمج البنوك الإسلامية، ولماذا ؟
ينظر كثير من المحللين إلى فكرة الاندماج و التكامل في عالم البنوك باعتبارها تعبيراً عن حالة تحدٍ للوقائع المستجدة باستمرار، فبين من يعتبرها مؤشراً لنوع من عدم المقدرة على الاستمرار بشكل فردي، وبين من يعتبرها قراءة دقيقة لواقع العمل المصرفي الذي أصبح يفرض بعض الشروط المتعلقة بالنجاح والاستمرارية، ما يشير إلى ضرورة الاستجابة لمعطيات جديدة.
و في عالم البنوك الإسلامية التي حققت نجاحات كبيرة خلال مسيرتها وفقاً لكثير من المراقبين، لدرجة فاقت توقعات القائمين على تلك البنوك، على الرغم من حداثة نشأة البنوك الإسلامية قياساً للبنوك التقليدية، فلم يتجاوز عمرها عقوداً أربعة بعد في حين تجاوز عمر البنوك التقليدية 300عام. فقد أفرزت هذه التجربة، التي بدأت منتصف سبعينات القرن الماضي، أول بنك يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية في دبي إلى أن وصلت إلى 280مصرفاً إسلامياً في السنوات الأخيرة، ووصل حجم أصولها المالية إلى 400مليار دولار بارتفاع قدره 23.8% كل عام، وزاد هذا النجاح من جراء التزايد في إقبال عدد عملاء هذه البنوك بنحو 13.2% سنويا، وهو ما اعتبره المراقبون نجاحاً غير مسبوق لتجربة المصارف الإسلامية.
كما تضاعفت أصول البنوك الإسلامية على مدى أربع عقود حتى الآن، لتصل في بعضها لنحو 60مثلاً، وتضاعفت ودائع العملاء وتنوعت الأوعية الادخارية مثل شهادات الادخار ذات العائد المتغير وذات العائد التراكمي، والتمويل بالمشاركة والتمويل بالمضاربة، وبيع المرابحة والإنجاز المباشر، وتأسيس الشركات والاهتمام بالصناعات الصغيرة والحرفيين، وتقديم الخدمات الاجتماعية ممثلة في صناديق الزكاة. ويبرز من بين مؤشرات نجاح البنوك الإسلامية ما يتعلق بمساهمتها بنحو 30% من تمويل التجارة العالمية، كما أنها تلعب دوراً مهماً في تنمية المنطقة، واعتراف صندوق النقد والبنك الدوليين بنجاحها، عدا عن تجلي مفاهيم الشفافية وثقة العملاء، وتصاعد الإقبال عليها وتكرار البنوك التقليدية لتجربتها، الأمر الذي يؤكد رسوخ التجربة.
لكن مثل هذه المؤشرات لا تنفي أن هناك حزمة من التحديات تواجه البنوك الإسلامية، يقف في مقدمتها التقدم التكنولوجي وتطور الخدمات والتنوع الجغرافي، وفكرة اندماج البنوك الإسلامية، على غرار ما يجري في البنوك التقليدية، حيث أثبتت بعض تجارب الاندماج تفوقاً جديداً، وقدرة على المنافسة بشكل أقوى، وتطوير خدماتها والتوسع في نظام المشاركة. ولكن في ظل مثل هذه التحديات، فإن البنوك الإسلامية تشهد حالة من التزايد في العدد، خصوصاً في منطقة الخليج، وبشكل أساسي في الإمارات، فخلال الفترة الماضية ظهرت مجموعة من البنوك الإسلامية في الإمارات، منها على سبيل المثال لا للحصر، مصرف الهلال الإسلامي الذي أسسته حكومة أبوظبي برأسمال 4مليارات درهم، وبنك نور الإسلامي في دبي، عدا عن بعض البنوك التي تحولت من بنوك تقليدية إلى بنوك إسلامية، ليتجاوز عدد البنوك الإسلامية في الإمارات ثماني بنوك إسلامية.
ووفقاً لمعلومات مصرف الإمارات المركزي يستحوذ النشاط المصرفي الإسلامي على حصة تبلغ نحو 13% من إجمالي النشاط المصرفي في الإمارات، مرشحة لكي تتضاعف حال انضمام المصارف الجديدة لقائمة المصارف الإسلامية في الإمارات. ومن المعروف أن الإمارات تنفرد بتجربة مصرفية إسلامية قديمة، فهي أول دولة في العالم العربي تقر قانوناً للعمل المصرفي الإسلامي (القانون الاتحادي رقم 6لعام 1985في شأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية)، وشهدت في بداية تجربة المصارف الإسلامية ميلاد أول بنك إسلامي في منتصف السبعينات من القرن الماضي، هو بنك دبي الإسلامي، والذي احتكر العمل المصرفي الإسلامي حتى نهاية التسعينات، حيث تم تأسيس مصرف أبوظبي الإسلامي في العام 1999ثم تحول بنك الشارقة إلى بنك إسلامي بعد ذلك بعامين، ومن ثم استمرت مسيرة الإعلان عن ميلاد بنوك إسلامية لاقت نجاحات مستمرة على أكثر من صعيد، وتمكنت من تسجيل حضور متميز وكسب المزيد من الزبائن.
بالأرقام
تؤكد البيانات المالية للبنوك الإسلامية في الإمارات هذه الحقائق، فقد نمت ودائع الأفراد والودائع الاستثمارية في البنوك الأربعة بصورة ملحوظة خلال العام الماضي مقارنة مع العام السابق حيث نمت الودائع بنسبة تزيد على 36.9% من 57.4مليار درهم عام 2005إلى 78.6مليار درهم وسجل مصرف الإمارات الإسلامي وهو الأصغر بين البنوك الإسلامية نمواً كبيراً في حجم الودائع خلال العام الماضي بنسبة 158.3% حيث بلغ إجمالي قيمة الودائع 9.04مليارات درهم في نهاية عام 2006مقابل 3.5مليارات درهم في نهاية عام 2005في حين قفزت الودائع في مصرف أبوظبي الإسلامي بنسبة 32.2% من 18مليار درهم 2005إلى 23.8مليار درهم عام 2006، أما بنك دبي الإسلامي وهو الأكبر بين البنوك الإسلامية فقد سجل نمواً بنسبة 43% في حجم ودائعه لتصل إلى 41.3مليار درهم .
إلى ذلك تشهد الإمارات نشاطاً بارزاً في عمليات الصيرفة الإسلامية وأنشطة المصارف الإسلامية الوطنية الأربعة الحالية وهي دبي الإسلامي وأبوظبي الإسلامي والشارقة الإسلامي والإمارات الإسلامي، حيث يلاحظ وجود نمو متسارع في معدلات ومستويات التعاون بين المؤسسات العاملة في هذا القطاع، والذي فرضته طبيعة وتطورات العمل إذ شهدت الأسواق طلبات تمويل ضخمة لم تشهدها السوق من قبل وتقدر بمليارات الدولارات الأمر الذي فرض ضرورة التعاون لتقديم هذه الخدمات وإتاحة الفرصة أمام أكثر من بنك للاستفادة من هذه الصفقات.
إستراتيجية المصارف الإسلامية
يعتقد بعض المحللين أن نمو قطاع الخدمات المصرفية بشقيه، الأفراد والشركات، في المصارف الإسلامية يرجع إلى إستراتيجية هذه المصارف، فالبعض منها يركز بشكل كبير على خدمات الأفراد، والبعض الآخر يركز على قطاع الشركات، وهناك مصارف إسلامية تركز على كلا القطاعين، وبحسب مصادر مصرفية فإن المنافسة في قطاع خدمات الأفراد قوية لأسباب عدة أهمها وجود أكثر من 45بنكاً في الدولة تحاول معظمها ابتكار منتجات جديدة، للاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من كعكة السوق.
معظم منتجات خدمات الأفراد من تمويل سيارات ومسكن وبطاقات ائتمان معروفة للجميع، والأهم اليوم هو كيفية ابتكار منتجات جديدة تضمن الأولوية وتستطيع من خلالها أن تجذب اكبر عدد من العملاء. فضلاً عن ذلك يسعى كل مصرف إلى زيادة عدد فروعه بحيث يصل لأقرب نقطة للعميل توفيراً لوقته وجهده واستحداث خدمات من شأنها تسهيل العمليات المصرفية كخدمات الانترنت ومراكز الاتصال والاستثمار المستمر في التكنولوجيا باعتبارها العمود الفقري للقطاع المصرفي.وقالت المصادر إن أهم ما يميز الخدمات المصرفية الإسلامية هو عدم فرض رسوم مغالى فيها على الخدمة كما إنها تتمتع بقدر كبير من الشفافية ومن هنا نجد أن هذه الخدمات تجتذب إليها أعدادا كبيرة من العملاء.
تحديات واندماج
تواجه المصارف الإسلامية تحديات كبيرة ومنافسة حادة في ظل ما يمكن تسميته العولمة المالية، التي فرضت واقعا لحركة الأموال والاستثمارات والخدمات، الأمر الذي يتطلب ضرورة أن تسارع المصارف الإسلامية في بناء قدراتها التقنية المصرفية لمواكبة هذه التطورات، فلا أحد يشك بأن التقنية المتطورة هي مستقبل الصناعة المصرفية المميزة. فالمصارف الإسلامية أصبحت تواجه تحديات كبيرة ومنافسة من قبل البنوك التقليدية التي بدأت تقدم الخدمات المالية الإسلامية عبر فروع أو نوافذ إسلامية. الأمر الذي يطرح بشكل ملح على القائمين على تلك المصارف الإسلامية ضرورة وأهمية وإمكانية اندماج البنوك الإسلامية، وينظر البعض إلى هذه الفكرة بأنها تحتاج إلى نوع من التحدي من حيث تغطية أسواق اكبر والاستفادة من الأسواق النامية، على أساس أن خطة أي بنك يجب أن تتماشى مع متطلبات الأسواق.
وبشكل رئيس يمكن القول إن البنوك الإسلامية أصبحت أمراً واقعاً في الحياة المصرفية والدولية بعد أن شقت طريقها بصعوبة في بيئات مصرفية، بعيدة في أسسها وقواعدها وآليات العمل فيها عن الروح والقواعد التي تدار بها المصارف الإسلامية. ومع ذلك نجحت البنوك الإسلامية، حسب بيانات صندوق النقد الدولي، في أن تنتشر في 48بلداً تمثل ثلث دول العالم الأعضاء في صندوق النقد، وأنها خرجت من نطاقها الطبيعي في أسواق الدول الإسلامية إلى أسواق الدول الأخرى، كما أشارت إحصائيات الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية عام 1998إلى النمو السريع للمصارف الإسلامية خلال عقدين من الزمن، حيث كانت في نهاية السبعينات من القرن الماضي خمسة بنوك فقط، وصلت بنهاية عام 1998إلى 176مصرفاً بإجمالي أصول قدرها 176مليار دولار، وإجمالي إيداعات أكثر من 112مليار دولار، وحقوق مساهمين أكثر من 7مليارات، وبمعدل نمو سنوي بلغ 15% سنويّاً.
التحديات الضخمة
مع أن عقد التسعينيات يعتبر الانطلاقة الدولية للبنوك الإسلامية، فإنه يُعَدّ أيضاً عقد التحديات الضخمة التي تواجه كافة البنوك في العالم، غير أن نوعية التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية تبدو أكثر صعوبة؛ نظراً لطبيعة البيئة المصرفية التي تعمل فيها، والتي تبدو متنافرة مع القواعد التي أقيمت عليها البنوك الإسلامية من حيث توافق عملياتها وأنشطتها مع روح الشريعة الإسلامية.
ووفقاً لرأي رئيس البنك الإسلامي للتنمية د. أحمد علي، فإن البنوك نجحت في تعبئة مقدار كبير من الأموال في شكل مساهمات أو ودائع استثمارية، وتبلغ الأرصدة التي تقوم على إدارتها – حالياً – 100مليار دولار تنمو بمعدل 15% سنويّاً، كما استطاع العمل المصرفي الإسلامي أن يحقق تقدماً ملموساً كأسلوب من أساليب الوساطة المالية، وبدأت بعض البنوك في الآونة الأخيرة – بنوك عالمية متعددة الجنسيات في استخدام أساليب العمل الإسلامي، وهو ما يُعدّ أمراً مشجعاً للمضي قدماً في تطوير هذا المجال، خصوصاً أن الوظائف المصرفية الإسلامية تتميز بملامح وسمات خاصة، منها: المشاركة في المخاطر، والتركيز على الإنتاجية.ويعمل البنك في إطار من القيم الأخلاقية المنبثقة من الإسلام، وتمويل اقتناء الأصول والسلع والخدمات بدلاً من بيع النقد بالنقد.
ولكن على الرغم من الصورة المشرقة للعمل المصرفي الإسلامي، فإن هناك تحديات تعيشها المصارف تقتضي التعاون لمواجهتها، ومن هذه التحديات تلك المتعلقة بالنواحي القانونية، فقد وُضعت معظم قوانين التجارة والمصارف والشركات وفق النمط الغربي، وهي تحتوي أحكاماً لا تناسب أنشطة العمل الإسلامي، بل تحصره في حدود تقيد انطلاقه. وعلى العموم تواجه البنوك تحدياً هامّاً يتعلق بطبيعة الودائع التي تستثمرها لصالح المودعين، فهي ذات آجال قصيرة، في حين أن تمويل المشاريع في حاجة إلى أموال ذات آجال طويلة، ما ينتج عنه صعوبات بالغة للمواءمة بين آجال الالتزامات واحتياجات التمويل. وأدت هذه التحديات والمصاعب التي تواجه البنوك الإسلامية إلى تعرض العديد منها لأزمات ومشكلات عملية، خصوصاً في الوقت الذي تعرضت فيه الاقتصاديات الآسيوية لانهيارات، غير أن العديد من البنوك الإسلامية لم تتعرض للانهيار بعكس بنوك عديدة أخرى، مثل بنك معاملات إندونيسيا الإسلامي الذي تدخل البنك الإسلامي للتنمية لإعادة هيكلته.
المواجهة
من هذا المنطلق، وكما يرى رئيس البنك الإسلامي للتنمية، يتعين على البنوك الإسلامية مواجهة هذه التحديات من خلال العديد من الخطوات الهامة، أبرزها: تضافر الجهود لوضع قوانين خاصة لممارسة العمل المصرفي الإسلامي. تنظيم الصناعة المصرفية والإشراف عليها، وضمان سلامة نظام التمويل وتحسين سياسة الرقابة المصرفية. التمويل على المدى البعيد من خلال سندات وأسهم طويلة الأجل، وبما أن البنوك الإسلامية لا تتعامل في السندات ذات الفائدة فإن حاجتها لأسواق الأسهم تكون كبيرة، الأمر الذي يفرض على البنوك الإسلامية إعداد نفسها بسرعة للدخول في أسواق الأسهم بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية. شجّع تطور النظام المصرفي الإسلامي العديد من البنوك على دخول السوق، وفي حين يمثل هذا اعترافاً بجدوى النظام إلا أنه يفرض المنافسة، وقد يجبر بعض البنوك على الخروج من السوق.
العولمة والمصارف
تلقى العولمة الاقتصادية والمالية بمتغيراتها على الصناعة المصرفية سواء كانت إسلامية أو غير ذلك، الأمر الذي يتعين على البنوك مواجهة مثل هذه المتغيرات، وفي حين يرى رئيس البنك الإسلامي للتنمية د.أحمد علي، أن العولمة سوف تتيح فرصاً للبنوك لزيادة استخدام الصيغ التمويلية الإسلامية، وفتح المزيد من الفروع في البلدان الأخرى، شريطة إعادة هيكلتها وزيادة رؤوس أموالها وتنفيذ خطة محكمة للاندماج الذي يحقق لها مزيداً من الكفاءة والتطوير والمنافسة وتحسين نوعية خدماتها وتطوير مشاريعها, ويجري بنك التنمية الإسلامي حالياً دراسة لإمكانية اندماج المؤسسات المالية الإسلامية في منطقة الخليج باعتبارها تضم أكبر تجمع للعمل المصرفي الإسلامي.
ومن جانبه يتوقع الرئيس التنفيذي السابق لبنك شامل البحريني نبيل نصيف، سقوط الحواجز والقيود بالنسبة للصناعة المصرفية بنهاية 2010، ويعتبر السوق المحلية جزءاً من السوق العالمية، والتي يمكن لأي مصرف دخولها وتقديم خدماته فيها؛ لذلك يجب على البنوك الإسلامية الاستعداد الفوري لهذا التحدي الكبير. الأمر الذي يستدعي طرح السؤال التالي: هل تمتلك المصارف الإسلامية القدرة على مواكبة الصناعة المصرفية العالمية ومواجهة المنافسة من ناحية تطوير أنظمتها وجودة خدماتها ومنتجاتها، وعلى الأخص إصدار الصكوك المالية التي تساعد في حل مشكلة إدارة السيولة، وتضمن موارد للدولة، وتحديث أجهزة اتصالاتها وأنظمة تشغيلها، الأمر الذي سيعيق استمرارها إن لم تكن لديها الإمكانيات المالية والفنية لمجاراة السوق المالية؟.
وتفرض مواجهة تحديات العولمة على البنوك الإسلامية الكثير من القضايا الهامة، منها: الدمج لتحقيق هدف الحجم الأمثل الذي يستطيع التنافس في عصر العولمة. وتحديث الأنظمة وتقديم الخدمات المالية المتطورة لمواجهة المنافسة الدولية، وتوسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، والتقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وتطبيق معايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي يضم في عضويته الجهات الرقابية المحلية والدولية.
وما يستحق الذكر بهذا الخصوص أن حسين القمزي، رئيس بنك نور الإسلامي، أكد لجريدة الرياض في حوار سابق، أن مستقبل المصارف الإسلامية يكمن في الاندماج. ما يعني أن فكرة الاندماج واردة باستمرار لما لها من أبعاد إيجابية ودور في تحقيق نجاحات لمسيرة البنوك الإسلامية وفقاً لما يعتقد كثير من المختصين والمحللين.
جريدة الرياض