المشاركة في البنوك الاسلامية بين النظرية والتطبيق
اهتم المنظرون لتجربة المصرفية الإسلامية بالمشاركة كصيغة أساسية لتعبئة و استخدام الموارد بالمصارف الإسلامية. ويرجع هذا الاهتمام إلى كون المشاركة أكثر قدرة علي تجميع الأرصدة النقدية القابلة للاستثمار، وأكثر قدرة علي توزيع المتاح من الموارد النقدية علي أفضل الاستخدامات لأغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأنها تُسهم بشكل مُباشر في عدالة توزيع الدخل القومي.
ومن خلال التعرض للإطار النظري والعملي للمشاركة في التجربة المصرفية الاسلامية نجد أن البدايات الأولى للتنظير لفكرة المصرفية الاسلامية جعلت من عقد المشاركة في الفكر الإسلامي الأساس الشرعي الملائم الذي يمكن الاعتماد عليه لإقامة هذه المصارف ، ولتنظيم نشاطها سواء في مجال تعبئة الموارد أو في مجال توظيفها.
فتلك الصيغة تبرز كون المصرف الإسلامي ليس مجرد ممول مالي للمستثمرين تربطه بهم علاقة الدائن بالمدين ،كما هو الحال في البنوك التقليدية، و لكن شريك لهم في العمليات الاستثمارية بكل ما يتطلبه مفهوم المشاركة من مقومات، و ما يترتب عليه من نتائج سواء من حيث القيام بدراسة و اختيار العملية الاستثمارية، أو القيام بتنفيذها و متابعتها، أو القيام بتحمل المخاطر التي تتعرض لها، و النتائج التي تترتب عليها من ربح أو خسارة.
و يكشف الواقع العملي للمشاركة في البنوك الاسلامية عن أن المشاركة لم تحظ إلا بنسبة هامشية و ضئيلة من جملة استثمارات البنوك الاسلامية، حيث تتراوح نسبتها من 2– 4% في معظم البنوك الاسلامية، باستثناء بنوك السودان التي تتعدى في بعضها نسبة 60%.
و ترجع العديد من البنوك الاسلامية تدني هذه النسب إلى خراب الذمم في زماننا المعاصر، و أن تمويل العميل من خلال المشاركة يحمل البنك الاسلامي مخاطر لا قبل له بها، مما يؤدى إلى ضياع الأموال. كما أن العملاء أنفسهم لا يرغبون في التعامل بالمشاركة، حيث إنها تكشف السرية المحيطة بأعمالهم، و ما يحققونه من أرباح فعلية، كما أن هؤلاء العملاء لا يلتزمون بتقديم ما تقتضيه المشاركة من تقديم حسابات دورية و متابعة ميدانية.
و في رأينا أن القضية يجب ألا تعلق بخراب الذمم، فما من مجتمع إلا و فيه أمناء وغير أمناء حتى مجتمع الصحابة لم يخل من ذلك. و تبقى أهمية البنك الاسلامي في الأخذ بالأسباب من خلال حسن اختيار العميل بصورة موضوعية بعيدة عن الهوى. كما أن العميل يأتي للبنك وهو في حقيقته يذعن -غالبا -لكل شروطه. و رغم ذلك فقد وجدنا – للأسف الشديد – بعض البنوك الاسلامية التي طبقت المشاركة افتقدت إلى التطبيق الصحيح لها، حتى تحولت المشاركة إلى حساب جارى مدين. فالعميل لا يلتزم فيها بدفع حصته بل يمول البنك العميل تمويلا تقليديا ،كما في البنوك التقليدية و يغمض عينه عن متابعة العميل واستخدامه للتمويل، ثم يسوي المشاركة في نهاية المدة المقدرة بنظام الحساب الجاري المدين اعتماد على نظام النمر و دون أي اعتبار لنتائج المشاركة الفعلية. بل وصل الأمر إلى اكتفاء العميل بدفع فوائد أو ما يسمى عوائد المشاركة في نهاية مدتها مع بقاء أصل المشاركة و تدويرها دفتريا كمشاركة جديدة. كل ذلك سعيا وراء تحقيق أرقام معينة في التوظيف، و بعد ذلك تأتي المرحلة الأخيرة من خلال عجز العميل عن سداد أصل المشاركة و عوائدها و من ثم ضياع الأموال.
إن تجربة المصرفية الاسلامية في حاجة إلى الاهتمام بتلك الصيغة بصورة تغلب على استثمارات البنوك الاسلامية، مع مراعاة الجوانب الشرعية و الاقتصادية في التطبيق. و من الضوابط التطبيقية في ذلك أن يتم التركيز في منح التمويل بالمشاركة على جدارة المشروع، و سمعة صاحبه و أمانته، و القدرة على إدارته، و ربط صرف التمويل باحتياجات المشروع الفعلية من خلال ما ورد بدراسة الجدوى و الزيارة الميدانية من البنك، و للبنك حق الإدارة، وقد يفوض شريكه في ذلك مع إحسان المتابعة له. وتبدو هنا أهمية الرقابة الشرعية الفعلية الملازمة للتنفيذ حتى سداد المشاركة.
و بذلك يمكن أن يتحول التنظير للمشاركة إلى واقع عملي تطبقه البنوك الاسلامية، و يحقق ما تصبو إليه من المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الإسلامية.
البشرى.