الحكم الشرعي للبتكوين : اراء و إجتهادات
تعاملت البشرية بالمقايضة وبالذهب والفضة والدينار والدرهم ثم بالعملة الورقية ثم بالعملة الرقمية والرصيد الرقمي ثم ظهرت العملة الافتراضية. والمشهور عند الاقتصاديين أن هناك ثلاثة شروط إذا وجدت في شيء فإنه يسمى عملة :
- أن يكون وسيطا مقبولا للتبادل فيقبل البائع أخذه مقابل سلعته،
- أن يكون مقياسا يمكن تحديد قيمة السلعة من خلاله،
- أن يكون مستودعا للثروة.
و العملات الافتراضية التي يعتبر البيتكوين أشهرها ليست عينية كالذهب وليس لديها اعتماد حكومي كالأوراق النقدية فلا يصدرها مصرف مركزي ولا تتحكم فيها البنوك، حيث ترتكز العملات الافتراضية على كسر المركزية وإلغاء البنوك كوسيط بين البائع والمشتري ويديرها مستخدموها بحيث تحقق مبدأ الند للند Peer-to-Peer.
وتتميز العملات الافتراضية بالخصوصية وسهولة الاستعمال، و يعتبرها منتجوها ومتداولوها أنها مفخرة لسكان المعمورة باعتبارهم يُنتجون عملتهم بنفسهم.
تعريف البيتكوين:
ورد ذكر البيتكوين لأول مرة في بحث أصدره تقني مجهول لقب نفسه بـ “ساتوشي ناكاموتو” عن العملات المشفرة ناقش فيه عنصر الأمان في البيتكوين وابتكر طريقة تقنية لتجاوز معضلة الموثوقية والحماية من الغش, ثم استمر هو ومجموعة من المطورين في العمل على البيتكوين.
تم طرح البيتكوين للتداول في 2009 بقيمة 0.0001$ وارتفع في منتصف عام 2011 إلى 35$ ووصل في بداية 2017 إلى 1000$ ثم تصاعد البيتكوين بشكل سريع حتى تجاوز سعر البيتكوين الواحد 20000$.
من أسباب هذا التصاعد: المضاربات في هذه العملة، وبدء اعتماد بعض الدول لها بشكل رسمي، وتزايد تعامل قطاعات خدمية جديدة بها كخطوط الطيران، وهناك متاجر إلكترونية وأجهزة صرافة تقوم بتبديل العملات المتداولة كالدولار بالبيتكوين، ويمكن شراء البيتكوين من بعض المواقع على الشبكة.
ويتكون البيتكوين (Bitcoin) من عنوان رقمي مربوط بمحفظة اليكترونية وكل بيتكوين مقسم لمائة مليون ساتوشي، وعند شرائك لسلعة ببيتكوين واحد فإنك ستحول البيتكوين بضغطة زر إلى محفظة البائع.
وكما هو الحال في العملة الورقية؛ فمنها الدولار، والجنيه الإسترليني، والريال، والينُّ، ونحوُ ذلك، كذلك توجد أشكال من العملة الإلكترونيّة؛ فمنها ما يسمّى بالـ Bitcoin ، Lightcoin Ethereum ، ، وغيرها.
لم تعتمد معظم حكومات العالم البيتكوين كعملة تداول، لكن عددا من الدول كألمانيا واليابان سمحت نظاميا بتداول البتكوين وأقرته كطريقة للدفع ومن أسباب ذلك وجود مصالح لهذه الدول كتحصيل الضرائب على التداول والمضاربة كما يساعدها ذلك في تنظيم التداول والتغلب على الغموض والسرية.
ويشيع الآن الحديث في بعض الدول- مثل اليابان والسويد- عن استخدامها بديلا أو رديفا للعملة الورقية؛ فطباعة العملة الورقية على الورق يكلف مالا وجهدا، وبما أن العالم يتجه نحو العصر الإلكتروني؛ فبدلا من أن تطبع العملة على الورق تطبع على شكل أرقام، أو أشكال إلكترونية تخزن على أجهزة الحاسب الآلي، لكنها تشفر بطريقة معقدة للغاية؛ حتى لا يمكن نسخها أو “تزويرها”، كما تنسخ العملة الورقية.
و حاليا أصبح البتكوين معتمدا في شبكة من المطاعم والأسواق والمتاجر الإلكترونية والشركات حول العالم مثل مايكروسوفت وغيرها, رغم المخاطر التي ينطوي عليها التعامل بالبيتكوين من قبيل أنها لا تزال غير معترف بها من معظم دول العالم والمصارف العامة والمركزية ومنها سهولة استعمالها في العمليات المشبوهة والإجرامية تمويلا أو غسيلا للأموال، و أيضا الغرر والجهالة الحاصلة في قيمتهما، بالإضافة كذلك الى أن أسعارها شديدة التذبذب فهي وإن كانت في صعود صاروخي فإنها معرضة للتدهور السريع.
الحكم الفقهي للبيتكوين
نحت أغلب الأراء الفقهية الى إعتبار البيتكوين عملة رقمية لا تتوفر فيها المعايير – الشرعية والقانونية – التي تجعلها عملة يجري عليها حكم التعامل بالعملات القانونية الرسمية المعتبرة دوليا. كما أنها لا تتوفر فيها الضوابط الشرعية التي تجعل منها سلعة قابلة للمقايضة بها بسلع أخرى؛ ولهذا: فإنه لا يجوز التعامل بالبيتكوين أو العملات الالكترونية الأخرى التي لا تتوفر فيها المعايير المعتبرة شرعا وقانونا؛ وذلك لأن التعامل بها يؤدى إلى عواقب غير سليمة: سواء على المتعاملين، أو على الأسواق المالية والمجتمع بأكمله، وسواء اعتبرناها نقداً أو سلعة فالحكم يشملها على كلتا الحالتين.
وقد حسمت دار الإفتاء المصرية من خلال الحكم الشرعي فى التعامل بعملة الـ”بيتكوين Bitcoin”، الإلكترونية، والمشفرة، بتحريمها، لخطورتها على الأمن المجتمعي والاقتصادي، دافعا قويا لمعرفة ملابسات الحكم الشرعي وطرق تداول هذه العملة المشبوهة.
واعتمدت دار الإفتاء فى تحريم العملة الافتراضية “بيتكوين” على 10 أسباب :
- تمثل اختراقا لأنظمة الحماية والأمن الإلكترونى.
- تمثل اختراقا للأنظمة المالية المركزية للدول والبنوك المركزية.
- تستخدم للهروب من الأجهزة الأمنية لتنفيذ أغرض غير قانونية.
- تستخدمها عادة داعش وعصابات المخدرات وغسيل الأموال للإفلات من العدالة.
- يتوافر فيها عنصر الغرر “النصب والخداع“.
- عملة إلكترونية بشكل كامل تتداول عبر الإنترنت فقط.
- عملة رقمية لامركزية وليس لها وجود فيزيائى ولا يمكن تداولها البيد.
- يتوافر فيها عنصر الجهالة.
- لا يجوز البيع والشراء والتعاقد بها.
- لا توجد هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها.
وأكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية- أنه لا يجوز شرعًا تداول عملة “البتكوين” والتعامل من خلالها بالبيع والشراء والإجارة وغيرها، بل يمنع من الاشتراك فيها؛ لعدمِ اعتبارها كوسيط مقبول للتبادلِ من الجهاتِ المختصة، ولما تشتمل عليه من الضرر الناشئ عن الغررِ والجهالة والغش في مصرفها ومعيارها وقِيمتها، فضلًا عما تؤدي إليه ممارستُها من مخاطر عالية على الأفراد والدول.
وأوضح فضيلة مفتي الجمهورية -في فتوى له- أن هذه الوحدات الافتراضية غير مغطاة بأصول ملموسة، ولا تحتاج في إصدارها إلى أي شروط أو ضوابط، وليس لها اعتماد مالي لدى أي نظام اقتصادي مركزي، ولا تخضع لسلطات الجهات الرقابية والهيئات المالية؛ لأنها تعتمدُ على التداول عبر الشبكة العنكبوتية الدولية (الإنترنت) بلا سيطرة ولا رقابة. ومن خلال هذا البيان لحقيقة عملة “البتكوين” (Bitcoin) يتضح أنها ليست العملة الوحيدةَ التي تجري في سوق صرف العملات، بل هذه السوق مجال لاستخدام هذه العملة ونظائرها من عملات أخرى غيرها تندرج تحت اسم “العملات الإلكترونية”.
وأشار إلى أن الصورة الغالبة في إصدار هذه العملة أنها تستخرج من خلال عملية يُطلق عليها “تعدين البتكوين” (Bitcoin Mining)، حيث تعتمد في مراحلها على الحواسب الإلكترونية ذات المعالجات السريعة عن طريق استخدام برامج معينة مرتبطة بالشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت)، وتجرى من خلالها جملة من الخطوات الرياضية المتسلسلة والعمليات الحسابية المعقدة والموثقة؛ لمعالجة سلسلة طويلة من الأرقام والحروف وتخزينها في محافظ إلكترونية بعد رقمنتها بأكواد خاص.
وحسب د. هيثم بن جواد الحداد فإن البتكوين هو صورة أخرى من صور صناعة المال الذي ليس له أي غطاء، حيث إنها الآن تصنع من قبل أفراد أو شركات ودول، ولم تعتمد حتى الآن للتعامل الدولي، وقد يتم ذلك قريبا, لتحل محل العملة الورقية، وليسا إلا وجهين لعملة واحدة؛ نقد وهمي ليس له غطاء مالي، فضلا عن أن يكون له غطاء من النقدين الحقيقين: الذهب والفضة.
ولذلك يرى د. هيثم بن جواد الحداد بحرمة صناعة هذا النقد المعروف بالنقود الإلكترونية المشفرة Cryptocurrency، سواء كان ابتداء، أو من خلال ما يعرف بعمليات التنقيب؛ لأنه إيجاد للمال من لا شيء- كما تقدم. ويحرم كذلك ضخ الأموال لتقويته من خلال تداوله بيعا وشراء.
أما إذا أصبحت هذه العملة بديلا أو رديفا للعملة الورقية، والتزمت الدول أو البنوك المركزية أو الجهات القانونية المصدرة لها، بصرفها بقيمتها مِن أي أنواع البضائع أو النتاج المحلي، كأن يكون لدينا دولار ورقي، أو دولار رقمي، أو عملة أخرى أمريكية رديفة للدولارِ، مثل أي دولار، لها سعر صرف معين ومحدد، كما هو الحال في الدولار؛ فإذا أصبحت تلك العملة بديلًا أو رديفا للعملة الورقية، وفرض على دول العالم كله- ومنها الدول الإسلامية- “صكها كبديل أو رديف للعملة الورقية، وأمكن ضبط سعرها بسعر صرف محدد- مع ارتفاع أو انخفاض يسير، كما هو الحال في العملة الورقية- غير قابل للتذبذبات الكبيرة والسريعة التي تجعلها نوعا مِن القمار المحرم شرعا؛ وسنت تشريعات كافية لضمان استمرار التعامل بها أولا، ثم وفق ما تقدم من الشروط ثانيا: فقد يقال عندئذ حسب د. هيثم بن جواد الحداد بإباحة التعامل بها، كما يُباح الآن التعامل بالورق النقدي اضطرارا، وتصبح بديلا مشابها له، مع أن أصله- أي: الورق النقدي- بعد فك الارتباط بينه وبين الذهب محرم.
بينما يرى الشيخ محمد صالح المنجد أن الحكم الفقهي للبيتكوين يعتمد على عدة أمور منها: كونها سلعة أم عملة ونقدا كالعملات الورقية؟
وأوضح الشيخ المنجد أن الإمام مالك نص على أن كل ما يرتضيه الناس ويجعلونه سكة يتعاملون بها فإنه يأخذ حكم الذهب والفضة ولو كان من الجلود (المدونة 5/3), وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن النقود لا يعرف لها حدّ وإنما تعود لتعامل الناس واصطلاحهم (الفتاوى 19/251)
وجاء في قرار هيئة كبار العلماء: “النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح بحيث يلقى قبولا عاما كوسيط للتبادل” (أبحاث الهيئة 1/90)
وأشار الشيخ المنجد الى قول الشيخ عبد الرحمن البراك في جواز تداول البيتكوين، لكنه أوجب الزكاة فيمن ملك منها نصابا بمفردها أو مع غيرها إذا حال عليها الحول.
ويرى بعض الباحثين حسب الشيخ المنجد أن الثمنية في الفلوس والأوراق النقدية ونحوها ناشئة عن تعارف الناس واتفاقهم على إعطائها قيمة سوقية، وهذا بخلاف الذهب والفضة فلهما قيمة ذاتية مختلفة كما يقول الجمهور من الفقهاء، وعلى هذا فيجوز الاصطلاح على إنتاج عملات أخرى جديدة لكن البيتكوين عملة افتراضية ليس لها وجود حقيقي يمكن حيازته، وإنما هي مجرد أرقام ورموز ومع ذهابها تضيع الثروة، وهذا مظنة للغرر والخسارة.
و أضاف الشيخ المنجد بأن هناك رأي قائل بأن البرمجة شيء حقيقي لا وهمي وأن العملة بدأت تفرض نفسها وأن درجة الاعتمادية والموثوقية والإقبال عليها يزداد. ولذلك لا يستبعد الشيخ المنجد أن يظهر اجتهاد فقهي بتحريم التعامل بها في أول ظهورها عندما تكون المخاطر عالية جراء عدم الاعتراف بها من أكثر الدول ولأنها ضعيفة الاعتمادية والموثوقية نتيجة لذلك فيكون التعامل بها مغامرة ومقامرة ثم يتغير الحكم إذا اكتسحت وسادت وفرضت نفسها عالميا.
يؤكد الشيخ المنجد أن مرجعنا في معرفة الأحكام الشرعية: كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم واجتهاد أهل العلم وخصوصا في النوازل والمستجدات المعاصرة كالبتكوين قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون) , وهكذا يجب على القادرين من أهل العلم الاجتهاد لتوضيح أحكام النوازل ولابد من قائم لله بالحجة، ومثل هذه القضايا الكبار تحتاج إلى فتاوى جماعية من المجامع الفقهية ولجان الإفتاء وباحثي الدراسات العليا ويشارك في توضيح الرؤية خبراء التقنية، ويشارك في توضيح الرؤية خبراء التقنية والاقتصاديون الذي يعينون أهل العلم في ذلك (وتعاونوا على البرّ والتقوى)
مصادر :
– حكم التعامل بالعملة الإلكترونية المشفرة: (البتكوين) وأخواتها للد. هيثم بن جواد الحداد .
– مناقشة في البيتكوين (Bitcoin) وحكمه الشرعي للشيخ محمد صالح المنجد.
– الفتوى رقم 89043 عن حكم التعامل بالبتكوين للهيئة العامة للشؤون الإسلامية و الأوقاف بالإمارات.