المصارف الإسلامية في العراق بين الطلب المتزايد و الإختلافات الفقهية
يشهد قطاع المصارف الإسلامية في العراق إقبالا متناميا رغم المشاكل التي تمثلها الاختلافات الفقهية، و التي تجعل من إجازة المعاملات المالية تختلف من بنك لآخر وفقا للمذهب الديني الذي تعمل به المؤسسة المالية.
وساهم تراجع ثقة شرائح من العراقيين في المصارف سواء الحكومية منها أو الخاصة، بسبب تبعية أغلبها لسياسيين وتعرض بعضها لقضايا فساد، من انتعاش عمل المصارف الإسلامية بالعراق في السنوات الأخيرة, حيث لجأ العراقيون خلال السنوات الأخيرة إلى إدخار أموالهم في منازلهم أو تحويلها لذهب وعملات صعبة، في ظل المخاوف من تعرضها لمشاكل في البنوك التقليدية، ما جعل وفق المحللين الماليين مساعي المصارف الإسلامية العراقية لاستقطاب جزء من هذه الأموال أمرا يسيرا.
وبدأت أنظار العراقيين تتجه نحو المصارف الإسلامية بشكل واضح بعد عام 2003، وذلك في مجالات القروض العقارية والمشاريع الكبيرة والصغيرة وشراء السلع، لعدم وجود فائدة مالية مقابل تلك القروض وفقا للشريعة الإسلامية. لكن خبراء مصرفيين يرون أن عمل المصارف الإسلامية في العراق يحتاج إلى التطوير للحصول على حصص أكبر داخل السوق المحلية، مشيرين إلى وجود العديد من المشاكل المتعلقة بأدائها.
ويرى الخبير المالي حسام الربيعي أن المصارف الإسلامية في العراق تواجه عدة تحديات أبرزها كيفية التعامل مع قضية الفوائد, مشيرا في هذا الصدد الى أن هذه المشكلة تبرز جليا في الاستثمارات الكبيرة, حيث يختلف نظام البنوك الإسلامية عن الحكومية بهذا الشأن فضلا عن اختلافها عن الأبناك الحكومية في نظام المضاربة والقروض والتعاملات المالية.
بدوره أوضح الخبير الاقتصادي العراقي, عبد المجيد الجبوري، أن المصارف الإسلامية تعتمد في عملها على رأس المال والاحتياطات كمصدر للتمويل أكبر من اعتماد المصارف الحكومية على ذلك, لافتا الى أن المصارف الإسلامية تواجه تحديات أبرزها نقص الخبرات والكوادر المتخصصة، وعدم القدرة على توظيف جزء من أموالها في أدوات الدين الحكومية مثل ما تقوم به باقي المصارف، مما يحد من تنوع محافظها الاستثمارية. ويضيف الجبوري أنه رغم كل هذه التحديات فإن البنوك الإسلامية في العراق تنمو بشكل سريع في ظل المنافسة الكبيرة من قبل المصارف الحكومية والتجارية الخاصة.
وتجدر الإشارة الى أن النظام المصرفي العراقي يتكون من 45 مصرفا، من بينها 23 مصرفا تجاريا خاصا و9 مصارف إسلامية، فضلا عن 34 شركة تحويل مالي. وفي ظل سباق المصارف في العراق على جذب عملاء، يبدو عمل المصارف الإسلامية في العراق محاطا بتحديات اختلاف المذاهب الفقهية أيضا، والذي ينعكس على كافة المعاملات في هذا البلد الذي مزقته الطائفية.
ويكشف مضر الناصري، الباحث في التعاملات المالية الإسلامية، أن المصارف الإسلامية بالعراق تختلف في بعض معاملاتها في ما يخص المسائل الفقهية، وذلك وفقا لمجلس إدارة المصرف أو مالكه، ما يجعل هناك اختلافا في ما يخص طريقة منح القرض والمعاملات الأخرى, مضيفا أن ثقة المواطنين بالعراق كبيرة في الأبناك الإسلامية.
ورغم انتعاش عمل المصارف الإسلامية بالعراق خلال الأعوام الأخيرة، إلا أن بدايتها كانت مع المصرف الإسلامي العراقي للاستثمار، وهو أول مصرف إسلامي عراقي تأسس عام 1993 برأسمال بلغ آنذاك 120 مليار دينار، بهدف تنمية ودعم الاقتصاد الوطني عبر الاستثمار والمشاريع المختلفة ضمن تعاملات تتوافق مع أحكام الشريعة.
ويتفق خبراء في القطاع المالي أن المصارف الإسلامية تلعب دورا كبيرا في تخفيف الأزمات المالية، بسبب تعاملها بالقيم الحقيقية وليس وفقا للتعاملات المعتمدة على المضاربة، التي تحمل مخاطر على المقترضين والمودعين، لكن فرصها الاستثمارية مع الشركات العالمية ما زالت محدودة وبحاجة لتطوير.
ويشير د. محمود محمد, مدير عام العمليات المالية في البنك المركزي العراقي الى ان الازمات المالية التي شهدها العالم كشفت بوضوح ثبات المصارف الاسلامية على الساحة العالمية, حيث انها لم تتأثر بالشكل الذي يغير مسارات العمل والمنتجات التي تقدمها الى العملاء، لافتا الى أن هذه الثقة تعود الى موجوداتها الثابتة.
ولفت محمود محمد الى أن اكبر مصارف العالم قد بدأت تتبنى منتجات المصرفية الإسلامية، مبينا ان العراق يحتاج الى مصارف اكثر رصانة تستند في تعاملاتها على موجودات حقيقية وثابتة، لاسيما أن هذه المصارف توفر منتجات عديدة منها المرابحة السلم والاجازة وهي عقود جدا رصينة لا تتوفر في المصارف التقليدية عادة.
ونوه محمود بقرار البنك المركزي خلال الفترة الماضية بالموافقة على تحويل 9 شركات التحويل المالي الى مصارف اسلامية لتمارس دورها التنموي والتوسع في تقديم منتجاتها التي تتوسع بشكل كبير في العالم, معتبرا أن حصة العراق من الموجودات الاسلامية قليلة والتوسع بها سيعمل على رفع حصة البلد، لاسيما ان منتجاتها تتميز بالجودة وشهادات الايداع تعد سندات، فضلا عن كونها أقل عرضة للتقلبات، مضيفا بأن الصيرفة الاسلامية في العراق ستؤثر بشكل ايجابي على واقع التعاملات المصرفية.
من جهتها إعتبرت اسرار البصري, المدير المفوض لمصرف الدولي الاسلامي, قرار البنك المركزي العراقي بتحويل 9 شركات للتحويل المالي الى مصارف اسلامية, بكونه يشكل دعما لعمليات البناء والاعمار التي يحتاجها العراق، وسيكون لها دور فاعل في عمليات تمويل المشاريع. موضحة أن الحكومة العراقية ارادت ان تلعب المصارف الاسلامية في العراق دورا في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة, وأن تسهم بشكل فاعل في تمويل المشاريع الكبرى التي تحقق نهضة اقتصادية، مع معالجة نقص فرص العمل وترصين الانتاج الصناعي للمساهمة في الانتاج النوعي.
وأكدت البصري على صواب قرار البنك المركزي القاضي بتحويل شركات التحويل المالي الى أبناك اسلامية بعد ما شهدته هذه الأخيرة من توسع كبير وتحقيقها نتائج ايجابية كبيرة على مستوى العالم, كما اثبتت دورها في دعم عمليات التنمية. وهذا هو سر الاهتمام الكبير الذي بدأت توليه المصارف الكبرى وتبنيها فتح منافذ اسلامية، لافتة الى السبب وراء ذلك يكمن في ان المخاطر في هذا الاتجاه قليلة لوجود منتجات مجدية اقتصادية ومغطاة بموجودات حقيقية تقلل تأثرها بالازمات.
وكشفت البصري ان الفترة المقبلة ستشهد إنشاء تكتلات بين المصارف الاسلامية بهدف تقديم التمويل الى المشاريع التنموية الكبرى بما يحقق الجدوى الاقتصادية الكبرى للاقتصاد الوطني الذي يعاني من مشاكل كثيرة. وطالبت البصري بتفعيل دور جمعية المصارف الاسلامية بحيث يكون لها دور رقابي تقويمي لواقع حال المصارف الاسلامية في العراق, مع رسم خطط النهوض بالقطاع من أجل توسيع مساهمته في عملية التنمية المستدامة.
[box type=”shadow” align=”aligncenter” class=”” width=””]
إقرأ أيضا…
■ البنوك الإسلامية بالخليج و تداعيات إنخفاض أسعار النفط
■ خبراء يدعون الى تفعيل دور البنوك الاسلامية في العراق
■ البنوك الاسلامية في العراق تنتظر إقرار القانون المنظم لعملها
■ خبير مالي: الصيرفة الإسلامية مهمة لجذب الأموال و الإستثمارات للعراق
[/box]