معوقات عمل المصارف الإسلامية
على الرغم من حداثة تجربة المصارف الإسلامية، وما أحاط بها من تشكيك في قدرتها على المنافسة، تمكنت هذه التنظيمات القانونية الاقتصادية الاجتماعية الحيوية من أن تثبت ركائزها في القطاع المصرفي المحلي والعالمي وحققت الكثير من النجاحات، ومن بينها انتشار العمل المصرفي الاسلامي في العديد من الدول على المستويين العربي الاسلامي والعالمي، والتوسع في المصارف الاسلامية وقيام المصارف الربوية بفتح فروع او مصارف اسلامية، وقيام العديد من الدول باصدار تشريعات لتحويل نظامها المصرفي الى الاسلامي الذي لا يتعامل بالفائدة الربوية، وقيام المصارف الاسلامية بتوفير التمويل اللازم للانشطة الاقتصادية بصيغ المشاركة والمضاربة والمرابحة، وتزايد الأبحاث والمراكز الخاصة بالدراسات في المصارف الاسلامية والاقتصاد الاسلامي وتحقيق الدور التنموي من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. ولقد إجتازت المصارف الاسلامية الكثير من المشاكل والمعوقات التي وقفت في طريق نشوئها وانتشارها، الا انه على الرغم من ذلك لا تزال تعاني من مجموعة من التحديات والمشاكل التي تقف في طريق تطورها، سنحاول بيان اهمها من خلال النقاط الاتية:
1- كثرة وتشعب الآراء الفقهية: مما لاريب فيه أن الأحكام في العقيدة الاسلامية ثابتة الآراء بينما الاحكام في المسائل الشرعية متعددة الآراء, وبسبب اعتماد الفكر الاقتصادي الاسلامي على الفتاوى، فقد ظهرت آراء متعددة ومتنوعة التي من خلالها يمكن للمصارف الاسلامية الاعتماد عليها، وذلك لوجود هيئة رقابية شرعية في كل مصرف اسلامي، تتكون من مجموعة مستقلة من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات ويمكن أن ينظم اليها من له إلمام بفقه المعاملات. ووظيفتها توجيه نشاطات المؤسسة المالية ومراقبتها والاشراف عليها للتاكد من التزامها بأحكام الشريعة الاسلامية وتصدر قرارات وفتاوى ملزمة للمؤسسة المالية الاسلامية وكانها لها قوة الحكم القضائي في وجوب تنفيذها. فمن الفقهاء من يبيح هذا التصرف أو التمويل، ومنهم من يحرمه ووقع الناس في حيرة بسبب هذه التعددية في الآراء والاختلاف بمضمونها. مما أدى لحدوث مشكلة فكرية لدى المسؤولين عن ادارة المصارف الاسلامية والى تعطيل بعض الصيغ المصرفية على هذا الاساس.
2- حداثة التجربة وضعف الخبرة والإيمان سواء لدى العاملين فيها أو المتعاملين معها، مما قد يؤدي في الكثير من الحالات الى عدم الالتزام بالقيم والاخلاق الاسلامية والقواعد الشرعية وصعوبة الحصول على الفقيه المتخصص بالمعاملات المصرفية بموجب الشريعة الاسلامية.
3- عدم كفاية الحماية القانونية: وتعد هذه المشكلة من أهم واخطر المشكلات والتحديات التي تقف في طريق تطور المصارف الاسلامية، وتحقيق اهدافها
المنشودة وعلى سبيل المثال دولة كالعراق يدين غالبية سكانه بالدين الاسلامي قد صدر فيه قانون خاص بالمصارف عام 2004 بشكل عام ولم يُفرد أو يعالج
المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية أية خصوصية تذكر على الرغم من انتشارها منذ التسعينات من القرن الماضي ووجود مايقارب من ثماني مصارف اسلامية تعمل في العراق. فهذه من المشكلات التي تقف حائلا امام تطور عمل هذه المصارف، وان خضوع المصارف الاسلامية في العراق الى قانون
المصارف النافذ قد يؤدي الى اخضاعها لهذا التنظيم القانوني غير الملائم لطبيعتها وخصوصيتها، والى تحملها الالتزامات المترتبة عليها وكأنما هي احدى
المصارف التقليدية الربوية، فهذه دعوة الى المشرع العراقي لضرورة التدخل لتنظيم المصارف الاسلامية ووضع تشريع مستقل وخاص بها او اضافة قسم
خاص لهذه المصارف الى قانون المصارف الحالي من خلال تعديل نصوصه لتلائم المصارف الاسلامية وتوفير البيئة القانونية لها، واعفائها من اية نصوص واردة في قانون المصارف تتعارض مع طبيعة عمل المصارف الاسلامية، وان هذه الدعوة مهمة جدا لان الكثير من الدول التي تجاور العراق اصدرت قوانين خاصة بالمصارف الاسلامية مستقلة عن قوانين المصارف والمؤسسات المالية الاخرى او استثنت هذه المصارف من الخضوع لاحكامها.
4- ضعف الامكانيات التقنية والتكنولوجية الحديثة لدى العديد من المصارف الاسلامية، مما يعد بحق تحديا كبيرا امام تطور مسيرة المصارف الاسلامية والنهوض بواقعها العملي في الحياة القانونية والاقتصادية وخصوصا بعدما ظهرت المصارف الالكترونية التي وظفت التقنيات الحديثة في اعمالها المصرفية.
5- تركيز سياسات التمويل في المصارف الاسلامية على المشروعات القصيرة الاجل كالاستثمار السلعي والتأجير التمويلي, وعمليات البيع بالتقسيط والمرابحة، مما ادى ذلك للانحراف في أساليب الاستثمار والتمويل، حيث أن المجمع الفقهي الاسلامي أوصى المصارف الإسلامية بالتوسع بمجالات المضاربة والمشاركة والتقليل من المرابحات والتورق. وعليه فإن التنويع في العمليات الاستثمارية وإعطاء الافضلية للمشروعات الطويلة الأجل في التمويل, يعد من التحديات الكبيرة التي تواجه المصارف الاسلامية.
6- من المشكلات التي تعاني منها المصارف الإسلامية، هي عدم وجود سوق مالي إسلامي والتي تعد بحق من ضرورات الاستثمار المتميز، حيث تعاني هذه المصارف من عدم امتلاكها لأدوات مالية تتمتع بما هو موجود لدى الاسواق المالية من قدرة على تحويل استحقاقات الموارد قصيرة الأجل الى استثمارات وتمويلات طويلة الأجل، وهي-أي المصارف الاسلامية-لا تملك أدوات تمكنها من استقطاب موارد أموال ذات آجال طويلة, حيث أن الأدوات المالية التي تتعامل بها تقتصر على الودائع الجارية والاستثمارية وودائع التوفير والتي تستحق خلال مدة قصيرة.
7- الصعوبات والمشكلات المتصلة بخضوعها لرقابة البنك المركزي في الدولة حالها حال باقي المصارف التقليدية التي تتعامل بالفوائد الربوية، أخذا عند منح
الإئتمان وعطاءا عند قبول الودائع، ولهذا فمثلا عندما تحتاج للسيولة فهي لا ترجع للبنك المركزي في ذلك بسبب أنه يفرض فائدة ربوية على القروض التي يمنحها أو على عمليات خصم الأوراق التجارية كون مثل هذه الاعمال تتعارض مع الشريعة الاسلامية, حيث أن الأخيرة لا تتعامل بالفائدة اخذا وعطاءا. وهناك
نوع ثاني من الرقابة وهي الرقابة الشرعية والتي تعطي الضوء الأخضر لحلية أو حرمة العمل المصرفي هذا أو ذاك وهناك اسس ومعايير خاصة لهذه الرقابة.
8- مشكلة تأخر المدينين الموسرين عن السداد وهي تعد من المشكلات الكبيرة التي تواجه المصارف الاسلامية، وان هذه المشكلة غير موجودة اصلا لدى المصارف التجارية التقليدية لانه كلما تأخر المدين عن السداد فرضت الفوائد عليه وتزداد مع مرور الوقت، بينما في المصارف الاسلامية فان هذه المشكلة تعد عائق أمام حركة هذه المصارف لأن الشريعة ااسلامية حرمت الزيادة المشروطة على رأس المال لقوله سبحانه وتعالى: “فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون “. فهنا يجد المدين الموسر المماطل الفرصة لعدم الدفع لعلمه أن المصارف الاسلامية لا تضيف فوائد على مديونية عملائها المتأخرين عن السداد، وعلى الرغم من أن المصارف الاسلامية تتخذ كل الاجراءات اللازمة لذلك الا أنه تبقى هناك جملة من الثغرات التي يستغلها المماطلون مما يؤثر على جملة الاستثمارات للمصارف الاسلامية.
9- مشكلة العولمة وتأثيراتها على عمل المصارف الاسلامية، حيث تعد العولمة كمفهوم تجريدي مركب ذو ابعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وهي حركة قوى السوق على مستوى عالمي، وان وضع تعريف شامل ومحدد للعولمة محكوم بالفشل، بسبب تعقيد وتشابك واتساع المفاهيم التي يمكن أن ترتبط بها فقد عرفها البنك الدولي بأنها: التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم والذي يحتمه ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات وتنوعها عبر الحدود اضافة لتدفق رؤوس الأموال الدولية والانتشار المتسارع للتكنولوجيا في ارجاء العالم كله.
وظهر مصطلح العولمة المصرفية: وهي خروج المصرف من اطار التعامل المحلي الى آفاق عالمية حيث تعمل على دمج نشاط المصرف في السوق العالمية وهذا لا يعني التخلي عما هو قائم وموجه الى السوق المحلية الوطنية بل تعني الانتقال بمحيط النشاط المصرفي لارجاء العالم مع الاحتفاظ بالمركز الوطني مما يجعل اداءه اكثر فعالية وكفاءة ونشاطا، ولقد أصبح الاندماج في العولمة يتطلب درجة عالية من الكفاءة الاقتصادية والتكنولوجية لذلك يؤدي الى تهميش دور الدولة وعدم قدرتها على الإنفتاح على الأسواق العالمية. وتعتبر المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية المحرك الاساس لظاهرة العولمة، لذا فانحسار المصارف الاسلامية على الصعيد المحلي وانغلاقها عن العالم الخارجي قد يضيع عليها الكثير من المزايا الاستثمارية الضرورية لتطورها فلابد من وضع المعالجات والامكانيات لتلائم طبيعة المصارف الاسلامية.
10- تواجه المصارف الاسلامية تحديا خطيرا يتمثل في المنافسة المصرفية الكبيرة وخاصة بعد تطبيق اتفاقية تحرير تجارة الخدمات المصرفية عام 1997
،(GATS) (General Agreement On Trade Related Services) حيث تعد هذه الاتفاقية من النتائج المهمة لجولة الاورغواي, حيث أن تطبيق القواعد القانونية الدولية للتجارة المتعددة الأطراف قبل هذه الجولة كان مقصورا على التجارة في السلع الا أنه امتد في ظل الاتفاقية هذه ليشمل التجارة في الخدمات.
وشملت الاتفاقية على العديد من الخدمات كان من بينها الخدمات المصرفية مما أدى لدخول المصارف عموما في ظل الاتجاه نحو التحرر المالي والمصرفي، وعلى الرغم من المزايا التي جاءت بها هذه الاتفاقية فقد وجد البعض في تطبيقها إزالة للتنظيمات والإجراءات التي تحد من المنافسة وخلق نوع من المنافسة غير المتكافئة بين المصارف العالمية والمحلية ومنها الإسلامية والتي لا تزال غير مهيأة لمواجهتها نظرا لمحدودية إحجامها وضعف إمكانياتها، كما أن عولمة التجارة في الخدمات المالية تهدف لإزالة التمييز في المعاملة بين الموردين للخدمات سواء أكانوا مواطنين أم أجانب، وسوف تقلل الاتفاقية من الامتيازات الممنوحة للمصارف الإسلامية إذا وافقت على الالتزام بنصوص الاتفاقية بسبب ضعف الدعم لهذه المصارف.
11- من المشكلات التي تواجه عمل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية مسألة وهي ” Corporate Governance ” أي تطبيق الحوكمة أو الحاكمية الرشيدة, و المقصود بها مجموعة من العلاقات ما بين ادارة المؤسسة، مجلس ادارتها، مساهميها، والجهات الأخرى التي لها اهتمام بالمؤسسة, كما أنها تبين الآلية التي توضح من خلالها أهداف المؤسسة والوسائل لتحقيق تلك الأهداف ومراقبة تحقيقها.
وعرفت ايضا بأنها مجموعة من القواعد والنظم والاجراءات التي تحقق أفضل حماية وتوازن بين مصالح إدارة المصرف من ناحية وحملة الأسهم وأصحاب المصالح من ناحية اخرى. فالحاكمية الرشيدة عموما تهدف لتحقيق الشفافية والعدالة ومنح حق مسألة ادارة المصرف, وبالتالي تحقيق الحماية للمساهمين مع مراعاة مصالح العمل، كما أن قواعد الحاكمية تتضمن أهمية الإلتزام بقواعد القانون والعمل على ضمان مراجعة الأداء المالي, ووجود هياكل ادارية يمكن أن تحاسب الادارة أمام المساهمين.
12- تواجه المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية مشكلة في كيفية التعامل مع مقررات لجنة بازل 1 و 2, حيث ابرمت اتفاقية بازل 1 في سنة 1988 متضمنة الحد الادنى لمتطلبات رأس المال، أما بازل 2 فقد أُبرمت سنة 2001 ونفذت سنة 2005, وهي تتضمن معيار كفاية رأس المال. وتركز هذه المقررات على الكيفية التي من خلالها يتم مواجهة المخاطر وادارتها.
أ. مصطفى ناطق صالح مطلوب.
من بحث: معوقات عمل المصارف الإسلامية و سبل المعالجة لتطويرها.
[box type=”shadow” align=”aligncenter” class=”” width=””]مقالات ذات صلة :
■ الفرق بين البنوك الإسلامية و البنوك التقليدية.
■ المصارف الإسلامية و طبيعة عملها.
■ المخاطر المالية على المصارف الإسلامية
■ هل تعد البنوك الإسلامية أكثر مرونة خلال الأزمات المالية؟ [/box]