نشأة البنوك الإسلامية
تعتبر البنوك الاسلامية تجربة حديثة نسبيا في العالم الاسلامي, و قد جاءت تلبية للحاجة الملحة لمؤسسات مصرفية تلبي احتياجات المسلمين, و في نفس الوقت تلتزم بأحكام الشريعة الاسلامية بعيدا عن المعاملات الربوية للأبناك التقليدية التي كان و لازال هدفها الأساسي تحقيق الربح بدل الاستثمار و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية التي تسعى اليها البنوك الاسلامية.
يعود تاريخ ظهور مؤسسات التمويل الاسلامي حسب بعض الدراسات الى سنة 1940 في ماليزيا التي أنشأت فيها صناديق للادخار بدون فائدة, و في سنة 1950 انتقلت فكرة اعتماد صيغ تمويل تلتزم بأحكام الشريعة الاسلامية الى دولة باكستان .
لكن المحاولات الجادة في العصر الحديث لانشاء بنوك تقدم خدمات و أعمال مصرفية تتفق مع أحكام الشريعة الاسلامية,بدأت العام 1963 من خلال تجربة بنوك الادخار المحلية التي ظهرت في صعيد مصر بمحافظة الدقهلية على يد الدكتور أحمد عبد العزيز النجار.
و لقد اعتمدت بنوك الادخار المحلية في عملها على أساس تجميع المدخرات الصغيرة لصغار الفلاحين و إعادة توظيفها على أساس المشاركة بعيدا عن سعر الفائدة سواء أخذا أو عطاءا. و قد عرفت هذه التجربة رغم قصرها (أربع سنوات) نجاحا تجسد في بلوغ عدد المودعين تسعة و خمسين الف مودع خلال تلاث سنوات فقط، إلا أن هذه التجربة الواعدة لم يكتب لها الاستمرار نتيجة لعوامل سياسية و ادارية.
عرفت باكستان في نفس الوقت تجربة أخرى على يد الشيخ أحمد ارشاد مدعوما من ملك السعودية فيصل و الشيخ أمين الحسيني. اعتمدت هذه التجربة مقاربة أخرى من خلال محاولة تحويل البنوك التقليدية الى بنوك اسلامية لا تتعامل بالربا, مع الابقاء على الآليات المعمول بها في هذه البنوك, لكن هذه المحاولة لاقت مصير سابقتها حيث لم تستمر أكثر من عدة أشهر.
في عام 1970 قدم كل من الوفد المصري و الباكستاني اقتراحا بإنشاء بنك إسلامي دولي أو اتحاد دولي للبنوك الاسلامية, و ذلك خلال المؤتمر الثاني لوزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد في كراتشي بباكستان، و قد تم دراسة المشروع و تقديم تقرير ينص على ضرورة تطوير نظام إسلامي بديل للنظام الربوي.
و شهد العام 1971 تأسيس بنك ناصر الاجتماعي الذي بدأ بممارسة نشاطاته المصرفية عمليا عام 1972،و نص قانونه التأسيسي على عدم التعامل بالفائدة. و قد استرعت هذه التجربة اهتماما كبيرا جعلها تدرج على جدول أعمال اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية عام 1972 في مدينة جدة الذي درس إمكانية إقامة بنوك إسلامية محلية و بنك إسلامي دولي.
في عام 1973 ، طرح في اجتماع وزراء مالية الدول الإسلامية في مدينة جدة فكرة إقامة بنوك إسلامية تعمل على تقديم خدمات مصرفية متكاملة،كما ناقش المجتمعون مناقشة تفصيلية الجوانب النظرية والعملية لإقامة نظام للبنوك و المؤسسات المالية الإسلامية. و قد لاقت هذه الفكرة الترحيب و القبول, حيث انتهى الاجتماع الى ضرورة وضعها موضع التنفيذ.
عرف العمل المصرفي الإسلامي بدايته الفعلية في عام 1975 عندما صدر المرسوم الأميري بتأسيس بنك دبي الإسلامي الذي تميز بتوفير خدمات مصرفية متكاملة. و تم في نفس السنة تأسيس البنك الاسلامي للتنمية و هو مؤسسة دولية لتمويل التنمية تشارك فيها جميع الدول الاسلامية.
توالى بعد ذلك تأسيس البنوك الاسلامية المحلية في مختلف الدول، حيث عرفت الصناعة المصرفية الإسلامية نموا سريعا على امتداد العقود الأربعة الماضية,فبعد أن كان عدد البنوك الاسلامية ثلاثة بنوك في عام 1975 انتقل الرقم الى نحو 520 مؤسسة و بنكا إسلاميا حول العالم بنهاية العام 2012موزعة على أكثر من 60 دولة مع توقعات بالوصول إلى 900 مؤسسة بنكية بحلول عام 2015 يتركز معظمها في الدول العربية وتحديدا في دول الخليج العربي.
و تمر عملية إنشاء البنوك الإسلامية بعدة مراحل منطقية أساسية, و هذه المراحل العشرة الأساسية ليست مراحل قياسية و لكنها مراحل يتعين القيام بها، و إن كان من الممكن الإسراع بإحداها أو دمج بعضها مع بعض. و هي كالتالي:
- مرحلة ترويج الفكرة: و تستند هذه المرحلة إلى وجود مجموعة من المهتمين بفكرة إنشاء البنك الإسلامي, فالمؤمنون بهذه الفكرة يتولون قضية الترويج للبنك بين الجماهير, و إيجاد قاعدة شعبية من المؤيدين و المتبنين للفكرة و لديهم القدرة المالية والرغبة في إنشاء البنك الإسلامي.
- مخاطبة السلطات المحلية للحصول على موافقتها: فعند الإنتهاء من إعداد دراسة الجدوى الخاصة بإنشاء البنك الاسلامي، يقوم المؤسسون بالاتصال بالسلطات المصرفية و النقدية للحصول على موافقتها على إنشاء البنك، ومعرفة القواعد و الشروط الموضوعة من جانبها لإقامة هذا البنك في إطار القوانين و الأعراف, و التعليمات الصادرة و المنظمة لإنشاء البنوك بشكل عام، و البنوك الإسلامية بشكل خاص.
- استيفاء الشروط و البيانات المطلوبة واستصدار المرسوم والقانون الأساسي في الجريدة الرسمية للدولة. وفي هذه الحالة يقوم المؤسسون باستيفاء الشروط و تقديم المستندات و البيانات المطلوبة المحددة من جانب السلطات المصرفية و النقدية في الدولة.
- طرح أسهم البنك الإضافية للاكتتاب العام: في هذه المرحلة يقوم المؤسسون بطرح الأسهم الإضافية برأس مال البنك للاكتتاب العام لتغطية الجانب الذي لم يكتتب فيه المؤسسون من أجل الحصول على موارد كافية يبدأ بها البنك الاسلامي في ممارسة أعماله و تلقي الأموال من مودعيه و توظيفها التوظيف الإسلامي السليم.
- إعداد الهيكل التنظيمي للبنك و تصنيف الوظائف بهذا البنك: فلا يستطيع البنك الاسلامي مباشرة وظيفته دون هيكل تنظيمي مناسب.
- وضع نظم العمل و اللوائح الفنية والتنفيذية والمهام الخاصة بكل وظيفة: يقوم مؤسسو البنك في هذه المرحلة بوضع النظام الأساسي، و نظم العمل الداخلية و اللوائح الفنية و التنفيذية, و المهام الخاصة بكل وظيفة من الوظائف.
- الإعلان عن القوى البشرية التي يحتاج إليها البنك الاسلامي للقيام بالمهام الوظيفية و اختيارها وت دريبها و إعدادها و تخصيصها في الوظائف المحددة لها. حيث يقوم البنك بالإعلان عن الوظائف الشاغرة فيه سواء الوظائف القيادية الإشرافية التي يحصل على شاغيليها من العاملين بالبنوك الأخرى ممن تتوفر فيهم الخبرة و الدراية بشؤون الوظيفة التي سيشغلونها، أو من التنفيذيين الجدد الذين يتم اختيارهم من الخريجين الجدد من المؤسسات المتخصصة.
- القيام بتجارب التشغيل و ممارسة العمل كاختبار عام لمعرفة أوجه القصور ومعالجتها قبل الشروع في افتتاح البنك للجمهور، و يتعين هنا أن يتم اختبار كافة الوظائف و التأكد من سلامة الأداء الوظيفي بكل موظف يتم إلحاقه بإحدى الوظائف بالبنك.
- القيام بالحملات الترويجية المناسبة المصاحبة لعملية الافتتاح, حيث يمثل الترويج أداة فعالة و هامة في مجال تسويق الخدمات المصرفية الاسلامية وتنشيط حركة التعامل مع خدمات البنك. و تشمل الحملة الترويجية القيام بمجموعة من الأنشطة هي:
– نشاط الإعلان عن خدمات البنك الاسلامي.
– نشاط البيع الشخصي لخدمات البنك الاسلامي.
– نشاط تنمية التعاقدات والنشر والعلاقات. - إفتتاح البنك وممارسة العمل التنفيذي الفعلي: و هي أهم المراحل, و ليست في الحقيقة ختامها لأن هذه المرحلة ذات طبيعة خاصة لكونها ممتدة امتداد حياة البنك الاسلامي.
و عرفت موجودات البنوك الإسلامية نموا كبيرا بحيث من المتوقع أن تبلغ أصولها بحلول عام 2014 تريليون دولار بمعدل نمو يبلغ % 19 سنويا أي بسرعة أكبر بكثير من البنوك التقليدية. مما جعل المؤسسات المالية المختصة تتوقع بأن تصل أصول الصيرفة الإسلامية بنهاية عام 2014 إلى 2 تريليون دولار.
هذه المستويات الكبيرة من النمو و المستقبل الواعد الذي ينتظر قطاع الصيرفة الاسلامية اضافة الى الرغبة في تجنب البنوك الربوية, جعل بعض الدول تقوم بأسلمة نظامها المصرفي بالكامل, بحيث أصبحت جميع المؤسسات المصرفية فيها تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية بدون تعامل بالفائدة سواء أخذا أو عطاءا كما هو الحال في السودان و باكستان وإيران.
كما بدأت البنوك المركزية في مختلف الدول تولي اهتماما بقطاع المصارف الاسلامية و تصدر تشريعات خاصة بها, كالمملكة المغربية التي عرفت مؤخرا اصدار القانون المنظم لعمل البنوك الاسلامية, في انتظار انطلاقتها الفعلية.
و مما تنبغي الاشارة اليه أن البنوك الاسلامية لا يقتصر وجودها على البلدان العربية و الإسلامية, بل أصبحت منتشرة في جميع أنحاء العالم، فمدينة لندن أصبحت مركزا ماليا هاما للتمويل الاسلامي, حيث يوجد في بريطانيا تلاثة أبناك مطابقة بالكامل لأحكام الشريعة الإسلامية تأسست منذ عام 2004 م، إضافة إلى عشرين بنكا تقدم الخدمات الإسلامية من خلال نوافذ خاصة أو فروع اسلامية.
و قد دفعت مؤشرات النمو الكبيرة التي تحققها الصناعة المصرفية الاسلامية عدة دول غربية أخرى الى التفكير جديا في دخول هذا السوق الواعد, و خاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثبتت هشاشة النموذج الرأسمالي الغربي.
[box type=”shadow” align=”aligncenter” class=”” width=””]مقالات ذات صلة :
■ تعريف البنوك الإسلامية.
■ أهداف البنوك الإسلامية.
■ المصادر المالية للبنوك الإسلامية.
■ الفرق بين البنوك الإسلامية و البنوك التقليدية.[/box]