ضوابط الأحكام الشرعية
يقصد بالأحكام الشرعية خطاب الخالق تبارك و تعالى لعباده المكلفين لأداء فعل ما أو الإنتهاء عنه, أو التخيير بين هذا و ذاك. و الأحكام الشرعية التكليفية خمسة، هي: الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والحرام.
أولا: الواجب
و هو ما يثاب عليه فاعله ويعاقب تاركه. أو هو الأمر الذي طلبه الشارع على وجه اللزوم فعله بحيث يأثم تاركه . و الواجب والفرض مترادفان عند جمهور الفقهاء وهو قسمان:
1. واجب عيني (فرض عين): كالصلاة والزكاة.
2. واجب كفائي (فرض كفاية): يوجه خطاب التكليف إلى الجماعة كلها، فإذا قام البعض بالفعل سقط عن الباقين مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها كالجهاد وتحصيل العلوم.
ثانيا: المندوب
ويسمى (النافلة)، أو (السنة)، أو (التطوع)، أو (المستحب), وهو:
– ما طلب الشارع فعله طلبا غير لازم .
– أو هو ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه .
– أو هو الراجح فعله مع جواز تركه .
و ينقسم المندوب إلى ثلاثة مستويات، هي:
- سنة مؤكدة .
- سنة غير مؤكدة .
- سنة دون المرتبتين (وهي ما ترتبط بالعادات ولا علاقة لها بالتبليغ عن الله وبيان شرعه) .
قال الشاطبي: (المندوب خادم للواجب, لأنه مقدمة له أو تذكار به . والمندوبات بمنزلة الحامي والحارس للواجبات) . والمندوب غير لازم بالجزء أي على مستوى الإنسان المكلف، ولكنه لازم بالكل (على مستوى الجماعة المسلمة) مثل: الأذان، وصلاة الجماعة، والنكاح (الزواج) فإنها مندوبات على مستوى الفرد الواحد، لكن الجماعة المسلمة تأثم إن تركتها, إذ إنها واجبة بالكل.
ثالثا: المباح
وهو ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه, أي تلك الأمور التي تركها الشارع الحكيم دون أمر أو نهي، فالإنسان فيها مخيَّر بين الفعل أو الترك. و تثبت الإباحة بأحد أمور ثلاثة:
- إما بنفي الإثم .
- أو بعدم النص على التحريم .
- أو بالنص على الحل .
وقد جعل الله عز و جل نطاق الأفعال المباحة متسعا تيسيرا على البشر. و الأمور المباحة لا ثواب فيها على الفعل، ولا إثم فيها على الترك، ويكون لإعمال النية شأن تحصيل الثواب في الأعمال المباحة.
رابعا: المكروه
وهو ما يثاب تاركه و لا يعاقب فاعله. فهي تلك الأمور التي طلب الشارع الحكيم الكف عنها طلبا غير لازم, بأن كان منهيا عنها، و اقتران هذا النهي بما يدل على أنه لم يقصد به التحريم . ومِن ثم يكون ترك هذا الأمر مستحبا مثابا عليه، و إن تم الفعل فلا إثم عليه.
خامسا: الحرام
وهو ما يثاب تاركه ويعاقب فاعله. و بمعنى آخر ما طلب الشارع الكف عن فعله على وجه الحتم واللزوم، سواء كان الدليل الذي أوجب اللزوم قطعيا أًو ظنيا. وإن كان فقهاء الحنفية يفرقون بين نوعين، فيعتبرون أن “الحرام” هو ما ثبت بدليل قطعي، أما ما ثبت بدليل ظني فيطلقون عليه “مكروه تحريما”.
والحرام هو أمر يكون ضارا ضررا لا شك فيه، و ينقسم إلى نوعين:
- المحرم لذاته: وهو ما يكون ضرره ذاتيا، مثل: أكل الميتة، وشرب الخمر، وفعل الزنا و ارتكاب السرقة وأكل الربا وغيرها مما يمس الضروريات الخمس (الدين، العقل، النفس، النسل، المال) .
- المحرم لغيره: وهو الذي لا يكون النهي عنه لا لذاته، ولكن لأنه يفضي إلى محرم ذاتي كالنظر إلى عورة المرأة، فهو محرم لأنه يفضي إلى الزنا، والاستقراض بفائدة لأنه يؤدي إلي الربا الذي هو محرم لذاته .ِّ
و قد ذهب الغزالي إلى أبعد من ذلك فقسم الورع عن الحرام إلى أربع درجات:
- ورع العدول: و هو الورع عن كل ما تحرمه فتاوى الفقهاء.
- ورع الصالحين: وهو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم و لكن المفتي يرخص في التناول بناءا على الظاهر, فهو موقع الشبهة على الجملة.
- ورع المتقين: وهو ما لا تحرمه الفتوى و لا شبهة في حله، ولكن يخاف من أدائه إلى محرم. ” لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس حذرا لما به بأس “. فإذا كان لبعضهم مائة درهم على إنسان فحملها إليه فأخذ تسعة و تسعين و تورع عن استيفاء الكل خيفة الزيادة وكان بعضهم يتحرز فكل ما يستوفيه يأخذه بنقصان حبة وما يعطيه يوفيه بزيادة حبة ليكون ذلك حاجزا من النار.
- ورع الصديقين: وهو ما لا بأس به أصلا ولا يخاف منه أن يؤدي إلى ما به من بأس, ولكنه يتناول لغير الله وعلى غير نية التقوى به على عبادة الله. وقد روي أن الصديق رضي الله عنه تقيّأ من اللبن (لمّا لم يعلم مصدره) خيفة من أن يُحدث الحرام فيه قوّة مع أنه شربه عن جهل لا يوجب إخراجه، ولكن تخلية البطن عن الخبيث من ورع الصديقين.
يستفاد من هذه الأحكام في معرفة المجال الذي قد يسلكه المسلم الممارس لأعمال الاكتساب في حياته، فالدين عامل محدد للسلوك. ومن أهم آثار ذلك:
– الإدارة: تؤدي إلى حسن إستغلال الموارد البشرية والمادية.
– إجراءات العمل والعقود والنماذج: تصاغ في ضوء الأساس المنضبط بإطار العقود الشرعية التي تحكم المعامات الإسلامية.
– مجالات الاستثمار والخدمات: تحث على تجنب أنشطة التوظيف والإستثمار والخدمات المحرمة أو المكروهة. و السعي إلى المجالات المباحة شرعا أو المندوبة أو الواجبة. ويكون هذا الالتزام مبنيا على الإستطاعة. و من أمثلة السلع والخدمات المحرمة والمكروهة:
1. تجارة وصناعة الخمور والمسكرات والمخدرات وكل ما يأخذ حكمها، ويدخل في دائرة نشاطها خدمات النقل والتوزيع و التقديم.
2. تربية وتجارة الخنازير والصناعات والخدمات المرتبطة بلحومها أو مكوناتها.
3. نوادي القمار والميسر وما يشبهها ويأخذ حكمها.
4. النوادي الليلية والمراقص.
5. المحلات والنوادي المخصصة للّهو غير المباح المرتبط بمحرمات ومفاسد.
6. الابتعاد عن الأساليب والوسائل المحرمة أو المكروهة، ومنها:
-التعامل بالفوائد الربوية في الإيداع والقروض لأنه ربا محرم.
-التعامل بالبيوع المنهى عنها شرعا.
-المعاملات التي يصاحبها غرر وجهالة.
-المعاملات التي تؤدي إلى الإحتكار.
-المعاملات التي يكتنفها غش وخداع وكذب وتدليس ورشوة.
-بخس الأثمان أو التلاعب فيها.
-التلاعب في الموازين والمكاييل.
7. توزيع الأرباح والخسائر بشكل عادل بين الأطراف التي ساهمت بها مراعاة لقاعدتي (الغنم بالغرم) و(الخراج بالضمان).
8. الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تجاه المجتمع بأداء زكاة المال وصرفها في مصارفها الشرعية، وكذلك الصدقات والتبرعات.