تحصيل الأوراق التجارية
الأوراق التجارية هي صكوك ليست لها خصائص النقود، و مع ذلك فقد جرى قبولها في الحياة الاقتصادية كأداة وفاء بدلا من النقود، بالنظر لكونها تمثل حقا نقديا ثابتا يستحق الدفع بعد الاطلاع أو بعد أجل قصير. و أنواع الأوراق التجارية هي الكمبيالة والسند الاذني والشيك.
الأوراق التجارية إذن هي صكوك مكتوبة بشكل قانوني محدد تتضمن التزاما بدفع مبلغ محدد من النقود في وقت معين أو قابل للتعيين و يمكن نقل الحق الثابت فيها بطرق التظهير أو المناولة.
و قد عرفتها المعايير الشرعية بأنها “صكوك قابلة للتداول، تمثل حقا نقديا، و تستحق الدفع لدى الإطلاع أو بعد أجل قصير و يجري العرف على قبولها كأداة للوفاء، و تقوم مقام النقود في المعاملات”.
و أنواع الأوراق التجارية التي تتعامل بها البنوك هي:
أولا: الكمبيالة
هي صك يحرر وفقا لشكل قانوني محدد، يتضمن أمرا صادرا من شخص يسمى الساحب موجها إلى شخص آخر يسمى المسحوب عليه بأن يدفع مبلغا معينا من النقود لدى الاطلاع أو في تاريخ معين أو قابل للتعيين لأمر شخص ثالث يسمى المستفيد. و من التعريف يظهر أن أطراف الكمبيالة ثلاثة:
1- الساحب: و هو الشخص الذي يحرر الكمبيالة و ينشئها. و غالبا ما يكون الساحب دائنا للمسحوب عليه بمبلغ من النقود مستحق الوفاء في ميعاد الاستحقاق المذكور في الكمبيالة.
2- المسحوب عليه: و هو الذي يوجه إليه الساحب الأمر بدفع المبلغ المدون في الكمبيالة.
3- المستفيد: و هو من يتسلم مبلغ الكمبيالة وقد يكون المستفيد والساحب شخصاً واحدا.
و الكمبيالة أداة ائتمان و وفاء لأنها تسري على الحقوق الآجلة, بينما يعتبر الشيك أداة وفاء فقط. و الكمبيالة ورقة تجارية بطبيعتها، فيخضع المتعاملون بها لقواعد القانون التجاري مهما كانت طبيعة المتعاملين بها.
ثانيا: السند لإذني أو السند لأمر
هو صك يتعهد بموجبه محرره بأن يقوم بدفع مبلغ معين من النقود في تاريخ معين أو قابل للتعيين أو بمجرد الاطلاع, الى شخص آخر يسمى المستفيد.
فالسند الإذني يتضمن طرفين:
1- المدين: وهو الذي تعهد بدفع المبلغ المحرر في تاريخ معين.
2- الدائن: وهو حامل السند الذي يستحق المبلغ.
و السند أداة وفاء و ائتمان مثل الكمبيالة, إلا أنه يكون بين طرفين بدلا من ثلاثة, و هما المدين الذي تعهد بالدفع و هو المنشئ للسند, و الدائن/المستفيد.
ثالثا:الشيك
هو صك يتعهد بموجبه محرره بأن يقوم بدفع مبلغ معين في تاريخ معين أو قابل للتعيين، أو بمجرد الاطلاع إلى شخص آخر يسمى المستفيد. و من التعريف يتضح أن الشيك يشبه الكمبيالة من حيث أطرافه فهو يتضمن ثلاثة أطراف:
1- الساحب: وهو الذي يصدر الشيك ويوقعه.
2- المسحوب عليه: وهو الطرف الموجه إليه الشيك،وغالباً ما يكون البنك.
3- المستفيد: وهو الشخص الذي يدفع له مبلغ الشيك.
والشيكات عدة أنواع و أشكال, نذكر منها:
– الشيك المصرفي (المعتمد): و هو صك يحرره المصرف المسحوب عليه و يعتمد بموجبه دفع قيمة الصك المحول لطرف ثالث.
– الشيك المصدق: صك يحرر وفق شكل الشيك العادي ويتميز بوجود كلمة مصدق أو مقبول أو ما يدل على ذلك على صدر الشيك مع التاريخ وعنوان المصرف المسحوب عليه وتوقيع الموظف المصدق، ويكون المصرف المسحوب عليه قد صادق بموجب ذلك على صحة توقيع الساحب ووجود رصيد كاف في حسابه للوفاء بقيمة ذلك الشيك للمستفيد
– الشيك السياحي: أداة دفع مالية عالمية القبول، يصدر عن مؤسسات مالية بفئات متفاوتة، ويلتزم مصدره بالوفاء بقيمته لقابله بعد مطابقة توقيع حامله لتوقيعه المدون على الشيك.
– الشيك المسطر: هو شيك شخصي يتميز بوجود خطين متوازيين على صدر الشيك لإلزام البنك المسحوب عليه بعدم الوفاء بقيمة ذلك الشيك إلا لأحد عملائه، أو إلى بنك آخر.
– الشيك المقيد في الحساب:هو شيك يحرر وفق الشكل العادي للشيك، يضيف إليه الساحب أو الحامل عبارة تفيد عدم جواز الوفاء بقيمته نقدا بل عن طريق القيود الكتابية.
– شيكات التمويلات المصرفية:وهي شيكات تحرر من قبل المؤسسة عندما يتقدم إليها أحد يريد نقل نقوده بشيكات عن طريق تلك المؤسسة إلى موطن آخر ليأخذها هو أو وكيله أو أي شخص آخر يريد أن يوصلها إليه في ذلك الموطن.
و يختلف الشيك عن الكمبيالة في أنه لا يسحب إلا على البنك أو مؤسسة مصرفية فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بعمليات البنوك كما أنه دائماً مستحق الدفع لدى الاطلاع. و هو أداة وفاء فقط بينما الأوراق التجارية الأخرى أداة وفاء و أداة ائتمان عندما تكون مضافة إلى أجل. و كتابة الشيك بتاريخ مؤجل مخالفة للأصول القانونية المرعية، و لذلك فإن الشيك يجب أن يكون له مقابل نقدي للوفاء وقت إصداره، بعكس الكمبيالة التي يكون الوفاء بما فيها وقت الاستحقاق. و الشيك هو الورقة التجارية الشائعة و التي يتعامل بها من قبل الأفراد، بينما الكمبيالة يتم التعامل بها من الأفراد ولكن بصورة أقل من الشيك.
نشير هنا الى ما أخذت به هيئة المحاسبة و المراجعة في حكم التعامل بالأوراق التجارية، حيث نصت المعايير الشرعية على ما يلي:
- يجوز التعامل بالأوراق التجارية بأنواعها الثلاثة (الكمبيالة والسند لأمر والشيك) شريطة ألا يترتب على ذلك مخالفة شرعية، مثل الربا أو التأجيل الممنوع شرعاً، بحسب التفصيل الوارد في البنود التالية.
- لا يجوز التعامل بالكمبيالة والسند لأمر فيما يشترط فيه القبض، مثل جعلهما بدلي عقد الصرف ورأس مال السلم.
- يجوز التعامل بالشيك في الأنواع والحالات الآتية:
– الشيك الذي لصاحبه رصيد إذا كان مسحوبا من العميل على بنك، أو من بنك على آخر، أو من البنك على نفسه أو على أحد فروعه.
– الشيك الذي ليس لصاحبه رصيد إذا كان مسحوبا من العميل على بنك, أو من بنك على آخر, أو من البنك على نفسه أو على أحد فروعه, و ذلك بشرط عدم إفضاء هذا السحب للربا عن طريق ما يسمى بالسحب على المكشوف.
– الشيك المسطر، و يلزم البنك المسحوب عليه الوفاء بشروطه.
– الشيك المقيد في الحساب، ويلزم البنك المسحوب عليه الوفاء بشروطه، و ذلك بقيد قيمته في الحساب.
– الشيكات السياحية، و يجوز للجهة المصدرة لها أخذ عمولة مقابل الوساطة في إصدارها أو عند صرفها على ألا تتضمن فائدة ربوية.
و في ما يخص طرق هناك تداول الأوراق التجارية, فهناك طريقتان:
1- التداول بالتسليم: وهي تسري على الأوراق التجارية التي لحاملها سواء كانت كمبيالة أو سنداً أو شيكاً، ولكن هذا النوع من الأوراق قليل التداول لأنه عرضة للسرقة والضياع، والضمان فيهما متعلق بالساحب والمسحوب عليه فقط إذ لا يعرف غيرهما.
2- التظهير: و قد عرفته هيئة المعايير الشرعية بأنه تصرف قانوني تنتقل بموجبه ملكية الورقة التجارية من شخص (يسمى المظهر) إلى شخص آخر (يسمى المظهر إليه)، أو يحصل به توكيل في استيفائها، أو رهنها، بعبارة تفيد ذلك.
و من التعريف يظهر أن التظهير ثلاثة أنواع:
أ- التظهير الناقل للملكية: والمراد منه نقل ملكية الورقة التجارية من المظهر إلى المظهر إليه، ويسري هذا على جميع أنواع الأوراق التجارية بشرط أن تشتمل على شرط الأمر أو الإذن.
ب- التظهير التوكيلي: يقصد به توكيل من ظهرت إليه الورقة التجارية ليكون نائبا عن المظهر ليستوفي ما تضمنته من حق في موعد الوفاء.
ج- التظهير التأميني”تظهير الرهن”: و المراد منه رهن الحق الثابت بالورقة التجارية لدى المظهر إليه نتيجة دين له تجاه المظهر.
يعتبر تحصيل الأوراق التجارية من أهم العمليات الواردة على الاوراق التجارية و أكثرها انتشارا سواءا في البنوك الاسلامية أو التقليدية. و يقصد به إنابة البنك في تحصيل الأموال بهذه الصكوك من المدينين و تسليمها الى المستفيدين. و يعود على البنك من عملية التحصيل شيئان: الأول معنوي يتمثل في ثقة العميل في البنك و مظهرها قبول الأول إنابة الثاني في تحصيل الأموال و هذه سمعة طيبة يسعى اليها البنك. أما الأمر الثاني فهو مادي يتمثل في عمولة التحصيل التي يتقاضاها البنك من عملية الموكل.
و لا تخرج عملية تقديم الأوراق التجارية للبنك للتحصيل في جوهرها, عن كونها عملية توكيل بأجر لأنها عملية انابة لها مقابل. و الوكالة جائزة شرعا سواء أكانت بأجر أو بغير أجر. و إذا سكت العاقدان في الوكالة عن الأجر حُكم العرف، فإن كان يقضي بإعطاء مثل هذا الوكيل أجرا, كان له أجر المثل، و إلا فلا أجر له.
و يرى بعض الياحثين أنه بالتأمل في مفهوم الوكالة و مضمون عملية تحصيل الأوراق التجارية, فالبنك يستحق شرعا عمولة التحصيل كأجر عن وكالته سواء تم التحصيل أم لا، طالما قام البنك من جانبه بالإجراءات المتعلقة بمطالبة المدين بالسداد في تاريخه، و رتب كافة وسائل التحصيل الواجبة، حيث يكون المانع هو عسر المدين أو مماطلته. و مثل البنك في هذا كمثل المحامي الذي يستحق الأجر مقابل وكالته في الدفاع، سواء كسب القضية أم خسرها. و هذا مقرر شرعا.
و هذا ما أخذت به هيئة المحاسبة حيث نصت على ما يلي: “تحصيل الأوراق التجارية يعتبر وكالة من المستفيد للمؤسسة في تحصيل قيمتها له، وتستحق المؤسسة الأجرة المتفق عليها بينها وبين المستفيد، وإذا لم يوجد اتفاق بينها وبين العميل فيعمل بالعرف السائد بين المؤسسات في ذلك”.
الى جانب تحصيل الأوراق التجارية هناك عملية أخرى دأبت البنوك على القيام بها رغم المآخذ الشرعية عليها, وهي خدمة خصم الأوراق التجارية. و المقصود بها قيام حامل الورقة بنقل ملكيتها، عن طريق التظهير، إلى المصرف، قبل وقت استحقاقها، مقابل حصوله على قيمتها الحالية, التي تنقص عن قيمتها الإسمية المدونة بها بمقدار تكاليف الخصم.
و قد ساعد على انتشار عملية الخصم في العصر الحديث ما تتميز به من مزايا تحققها لطرفي العلاقة، فبالنسبة للمؤسسة التي تتمتع بسمعة حسنة وحالة مالية جيدة, فإنها تجد في خصم الأوراق التجارية الطريقة المثلى لتغذية خزينتها و القيام بأعمالها، كما أن هذه العملية غير مكلفة ماديا, حيث تعتبر مجزية بالنسبة للبنك خاصة إذا توفرت الثقة الكافية لأنها تكون عادة لأجل قصير، فيستطيع البنك أن يعيد خصم الورقة لدى بنك آخر أو لدى البنك المركزي بتكلفة أقل.
و في مقابل ذلك فإن العملية لا تخلو من بعض الأخطار، فعملية الخصم تعني تقديم البنك قرضا لعميله على أن يُدفع في تاريخ الاستحقاق من طرف آخر، لذلك تطلب البنوك عادة شروطا معينة في الورقة التجارية حتى تقبل خصمها كأن تكون مقبولة من المسحوب عليه، أو أن يكون أجلها لا يتجاوز مدة معينة، أو أن تحمل توقيعين على الأقل أو ثلاثة، أو أن يكون مكان الوفاء بها هو أحد فروع البنك، و قد تستمهل البنوك العميل زمنا قبل أن تصدر قرارها بقبول الخصم تتحرى فيه عن الموقعين عليها.
إن الجانب الشرعي لعملية الخصم قد أثار جدلا كبيرا و لا يزال عند الفقهاء، و قد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السابعة :
إن حسم/خصم الأوراق التجارية غير جائز شرعا لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم.
يتبين لنا مما سبق أن خصم الاوراق التجارية عملية ربوية و هي حرام بيٌن, و ذلك رغم بعض الأراء التي تحاول إجازتها بأسباب و مسميات مختلفة.
و قد اقترح بعض العلماء المعاصرين بدائل شرعية لعملية الخصم في حالة التعامل مع البنوك الإسلامية, حيث يمكن للبنك الاسلامي أن يتعامل مع الورقة التجارية أو أن يدفع قيمتها قبل تاريخ الاستحقاق على أحد وجهين:
1 ـ أن يدفـع قيمة الكمـبيالة كاملة و يتفق مع المدين على أن يكون المبلغ الذي قام البنك بسداده بمثابة تمويل يشارك المدين في ناتجه على شروط أحد العقود الصحيحة في الإسلام، وهو الاقتراح الذي تقدمت به الدراسة المصرية لإقامة نظام العمل في البنوك الإسلامية سنة 1972م.
2 – إذا كان المستفيد من الكمبيالة عميلا للبنك و له حساب جار فيه فإن البنك يستطيع أن يصرف لهذا المستفيد قيمة الكمبيالة كاملة بغير أن يخصم من قيمتها ما تخصمه البنوك الأخرى عن مدة الانتظار, و ليس في ذلك غبن على البنك، و تحقيق ذلك أن البنك يستثمر الحساب الجاري لهذا المودع و لا يؤدي إليه أي عائد، و هو الاقتراح الذي قدمه المرحوم الدكتور محمد عبد الله العربي.
و بهذا فإن شرط جواز هذه العملية في البنك الإسلامي يكون مرهونا بثلاثة شروط:
- أن يكون للعميل المستفيد من الكمبيالة حساب جار في البنك.
- أن يكون رصيد هذا الحساب في المتوسط السنوي لا يقل عن ثلث أو نصف قيمة الكمبيالة التي تقدم للبنك لصرفها، و ذلك حتى لا يُساء تقديم الكمبيالات للبنوك لدفع قيمتها بكثرة قد تعرقل سيولة رصيدها النقدي.
- أن يُرفق بالكمبيالة الفاتورة أو المستند الدال على موضوعها ضمانا للجدية.
و يجوز في هذه العملية أن يخصم البنك الإسلامي عمولة تكون بمثابة أجر على القيام بالعملية و لتغطية المصاريف الإدارية الخاصة بها. و هناك طريقة أخرى يطبقها بنك البركة الجزائري و تكون أيضا على أحد وجهين:
ـ عن طريق المرابحة: حيث يقبض البنك الورقة التجاريَّة ويسأل التاجر عن السلعة التي يرغب في شرائها بقيمة هذه الورقة فيشتريها ويبيعها له مرابحة على أن يكون معدل ربح البنك مساويا تقريبا لسـعر الخصم السائد في السوق، وهذا بضمان الورقة التجارية. فإذا سدد التاجر قيمة السلعة قبل تاريخ استحقاق الورقة أُعيدت له، وإذا لم يسدد صُرفت الورقة التجارية في تاريخ الاستحقاق وسدد بها هذا الدين.
ـ عن طريق السلم: حيث يقبض البنك الورقة التجارية بعد أن يسأل التاجر عن السلعة التي يرغب في شرائها بقيمة هذه الورقة، فيعطيه هذا المبلغ على أساس أنـه رأس مال السلم و البضاعة هي المسلّم فيه، فيشتريها التاجر لحساب البنك ثم يأمره هذا الأخير ببيعها بيعا بالوكالة على أن يكون معدل الربح مساويا تقريبا لسعر الخصم السائد في السوق. فإذا سدد التاجر هذا المبلغ إلى البنك قبل تاريخ الاستحقاق أُعيدت له الورقة، و إذا لم يسدد كانت الورقة التجارية ضمانا لسداد الدين في تاريخ الاستحقاق بعد صرفها و تحصيلها.
وقد أثارت قضية تحديد سعر البيع بعد تحديد هامش الربح للتاجر حفيظة بعض الفقهاء, لكن المشكل هو أن حاجة التاجر إلى خصم الورقة التجارية لا يكون دائما لتمويل عملية معينة أو شراء سلعة بذاتها، فقد يكون لتلبية حاجة الى سيولة آنية، مـما يجعل اقتراح الدكتور العربي بضمان الحساب الجاري هو الأصلح للتطبيق.
هل يسمح القانون بالتحصيل الجزئي للأوراق التجارية ؟