خطاب الضمان
تعد خطابات الضمان من الأنشطة المصرفية الهامة، حيث أصبحت أداة للتعامل الاقتصادي الداخلي والخارجي علي حد سواء وخاصة في مجال التعاقدات والمقاولات. و يعتبرخطاب الضمان أو الكفالة البنكية أحد التطبيقات المعاصرة لعقد الكفالة في البنوك الاسلامية.
و خطاب الضمان خدمة مصرفية يقدمها البنك لعملائه لتسهيل تعاملاتهم مع الجهات الحكومية و الشركات، و هو تعهد كتابي يصدر من البنك بناءا على طلب المتعامل بدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعيين بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك من البنك خلال مدة محددة, و يسمى أيضا بالكفالة المصرفية.
فبدلا من قيام العميل بإيداع المبلغ نقدا مع ما يترتب عن ذلك من حجز هذه الأموال و بقائها دون استثمار, فإنه يقدم خطاب ضمان مصرفي بالمبلغ المطلوب, حيث تعتبر هذه الخطابات بمثابة ضمان لجدية العميل لتأدية ما عليه للطرف الثالث.
و هكذا فأطراف خطاب الضمان ثلاثة و هي :
- مصدر الكفالة: و هو البنك الذي يتعهد بدفع المبلغ للجهة المستفيدة عند الطلب.
- طالب اصدار الكفالة: و هو العميل,و قد يكون شخصا أو مؤسسه أو شركة.
- المستفيد: و هي الجهة التي صدر التعهد من البنك لصالحها.
من خلال هدا التعريف بتبين لنا الفرق بين خطاب الضمان و الاعتماد المستندي, ففي هذا الأخير يقوم البنك بدفع المبلغ المطلوب للبائع المصدر, أما خطاب الضمان فيقوم على مبدأ الكفالة, أي أن الغرض منه ليس دفع المبلغ المطلوب و إنما إثبات جدية العميل في التقدم للعطاء و تنفيذ إلتزاماته.
يتميز خطاب الضمان بالخصائص التالية:
- خطاب الضمان يمثل مبلغا من النقود.
- يعتبر خطاب الضمان باتا و نهائيا في مواجهة المستفيد بحيث لايجوز للبنك التراجع عنه.
- التزام البنك في مواجهة المستفيد مستقل عن أية جهة اخرى و لو كان العميل نفسه.
- خطاب الضمان ذو كفاية ذاتية أي أن حامله لايحتاج اثبات حقه.
أنواع خطابات الضمان
1- من حيث تقييدها و اطلاقها
- خطاب الضمان المشروط: و هو الخطاب المشروط بعجز العميل عن الدفع للمستفيد أو عدم وفائه بالتزاماته. و لا يستحق المستفيد دفع قيمة خطاب الضمان من البنك الا بعد تقديمه للمستندات التي تثبث دعوى التقصير.
- خطاب الضمان غير المشروط: و هو عكس السابق, أي انه ليس مشروطا بعجز العميل أو تقصيره بحيث يستحق المستفيد الدفع بمجرد تقديمه للبنك.
2- من حيث الغرض
- خطابات الضمان الابتدائية: و هي تعهدات موجهة من البنك إلى المستفيد (غالبا ما تكون جهات حكومية) لضمان دفع مبلغ من النقود من قيمة العملية لاثبات جدية طالب خطاب الضمان.ويستحق الدفع عند عدم قيام الطالب باتخاذ الترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه.
- خطابات الضمان النهائية: هذه الخطابات خاصة بضمان حسن تنفيذ العقود المبرمة مع الجهات المتعاقد معها.و المقصود منها ضمان تنفيذ العمل وفق المواصفات المنصوص عليها.
- خطابات الضمان للتمويل عن دفعات مقدمة: يصدرها البنك لضمان مبالغ تصرف مقدما من بعض الجهات و ذلك للمقاولين أو الموردين, أو لضمان مبالغ تصرف تحت الحساب عن أعمال مقدرة لم يتم حصرها بعد.
3- من حيث كونه مغطى أو غير مغطى:
- خطاب ضمان مغطى بغطاء كامل: و هو الذي غُطيت قيمته كلها من قبل العميل، و يقصد بالغطاء التأمين العيني أو النقدي.
- خطاب ضمان مغطى بغطاء جزئي: و هو الذي غُطي جزء من قيمته.
- خطاب ضمان غير مغطى: وهو الذي لم تغط قيمته كليا.
و يتم اصدار خطاب الضمان في البنوك الاسلامية من خلال الاجراءات التالية:
- يقدم العميل طلبا لدى البنك كي يقوم باصدار تعهد كتابي بالدفع للجهة المستفيدة نيابة عنه,يضمنه كافة المعلومات الازمة.
- دراسة البنك الاسلامي للطلب على ضوء المعايير و الضوابط الجاري بها العمل.
- في حالة التأشير على الطلب بالموافقة, يقوم توقيع العميل على شروط الضمان .
- بتم استخلاص الضمانات و التأمينات النقدية المطلوبة,ثم يتم اصدار الخطاب وفق الضوابط الاجراءات المعمول بها.
- تسليم خطاب الضمان للعميل و توقيعه على الاستلام.
- متابعة الموظفين المختصين لسير الضمان من حيث انتهاؤه و تجديده و غير ذلك.
هذا و قد اختلف الفقهاء المعاصرون في تكييف خطاب الضمان على عدة أقوال:
القول الأول: تخرّجه على أساس الكفالة لأنه يتفق في المعنى معها و هو التزام الشخص مالا واجبا على غيره لشخص ثالث, و بالتالي لا يجوز أخذ الأجرة على الكفالة لأن الكفالة بالمال قرض على المدين فإن رده مع زيادة كان ربا، كما أن الكفالة من عقود التبرعات التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها كما نص الفقهاء.
القول الثاني: خرّج خطاب الضمان على أساس الوكالة, فالعميل يوكل البنك في دفع قيمة خطاب الضمان للمستفيد إذا طلبه في مدة معينة. و الوكالة يمكن أن تكون بأجر و بالتالي خطاب الضمان يأخذ أحكام الإجارة.
القول الثالث: خرّج خطاب الضمان على أساس قاعدة الخراج بالضمان أي المنفعة مستحقة بالضمان، فالبنك في خطاب الضمان قد ضمن حق المستفيد فيستحق نصيبا من الربح العائد للعميل من العملية المضمونة.
القول الرابع: خرّج خطاب الضمان على أساس الجعالة, فالبنك في خطاب الضمان يتعهد بالوفاء للمستفيد عند طلب العميل ذلك, و العميل يلتزم بدفع عوض لدى قيام البنك بهذا التعهد و التنفيذ.
القول الخامس: ذهب الدكتور نزيه حماد إلى جواز أخذ الأجر على خطاب الضمان حتى ولو كان غير مغطى بشروط و ضوابط, حيث قال: الكفالة بالمال فيها ثلاثة أمور: التزام الكفيل بالدين، أداء الكفيل الدين، رجوع الكفيل على المكفول بما أدى عنه، و اشتراط الجعل فيها له في التطبيق خمسة أحوال. و قد نوقش هذا الاستدلال بأنه إذا كان الدين ذاته لا يجوز أخذ عوض أو فائدة عليه فمن باب أولى عدم جواز أخذ العوض على مجرد الالتزام بالدين، ثم إن تعارف الناس وتراضي المتعاقدين لا يحل حراما.
القول السادس: ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بجدة سنة 1985م فقد قرر ما يأتي:
أولا: إن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي و الانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالا أو مالا، وهذه هي حقيقة ما يعنى في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة، و إن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي: الوكالة، والوكالة تصح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له)
ثانيا: إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق و الإحسان و قد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقروض، وذلك ممنوع شرعاً. ولذلك فإن المجمع قرر ما يلي:
1- إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان – والتي يراعي فيها عادة مبلغ الضمان ومدته – سواء أكان بغطاء أم بدونه.
2- أما المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعية جائزة شرعاً، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء.
خلاصة القول بأنه لا حرج من إصدار خطاب الضمان من الناحية الشرعية و لكن الإشكال في أخذ عمولة أو أجر على إصداره, فإذا كان خطاب الضمان غير مغطى، لا يجوز أخذ الأجر على إصداره لأنه يكون عندها كفالة، و الكفالة من عقود التبرع فلا يجوز أخذ الأجر عليها، وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية و المالكية و الشافعية و لحنابلة. و أما إذا كان الخطاب مغطى تغطية جزئية فهو وكالة في الجزء المغطى و كفالة في الجزء غير المغطى و حينئذ يجوز في حالة توافر صفة الوكالة أخذ الأجر على الخطاب, أما أخذ الأجر على الكفالة فغير جائز للأسباب التي سبق ذكرها والبنوك التقليدية تأخذ أجرا على جميع ما تصدره من خطابات الضمان وهذا لا يجوز.
الواجب إذن على البنوك الاسلامية تجنب أخذ الأجر على خطابات الضمان لما فيه من شبهات, حيث يمكنها إصدار خطابات الضمان بإحدى الطرق التالية:
- إصدار خطابات الضمان بتغطية كاملة نقدا للقادرين على الدفع من العملاء أو بتجنيب المبلغ من حسابهم الجاري، و المفروض في العملاء الذين يطلبون خطابات ضمان ابتدائية، أو نهائية، أن يكونوا قادرين، و هذه هي أكثر حالات إصدار خطابات الضمان، و لا مصلحة للمجتمع و لا للبنك في إصدار مثل هذا النوع من خطابات الضمان لعملاء لا يملكون المبلغ المطلوب منهم.
- إصدار خطابات الضمان لمن لديهم ودائع استثمارية في البنك المصدر للخطابات أو في غيره, على أن يعطى طالب خطاب الضمان توكيلا للبنك بسحب المبلغ من وديعته، و دفعه للمستفيد إذا طلبه منه في حالة فشله في الوفاء بالتزامه. وينبغي أن تكون الوديعة قابلة للسحب في أي وقت أو في الوقت الذي يحتمل أن يطالب فيها البنك بالمبلغ.
و هذه الطريقة أفضل من الطريقة الأولى بالنسبة للعميل، لأنها لا تخرج ماله من ملكه، و تحتفظ له به مستثمرا، و إن كانت تمنعه من سحبه و من التصرف فيه بأي تصرف يخرجه من ملكه، قبل وفائه بالتزاماته نحو المستفيد، و انتهاء خطاب الضمان لأن الوكالة هنا تكون لازمة بالنسبة للموكل لتعليق حق الغير بها. لكن الطريقة الأولى أفضل بالنسبة للبنك من هذه الطريقة لأنه يستفيد فيها بالتصرف في المبلغ، وكما أنها تجعله في مأمن من الغرامة, و في نفس الوقت تمكن العميل من قضاء حاجته. - إصدار خطابات الضمان مغطاة برهن عقاري، أو بضائع أو أوراق مالية… أو ضمان شخصي. و هذه الطريقة معمول بها في البنوك، و إن كانت لا تؤمن البنك تأمينا كافيا فقد يضطر فيها إلى دفع المبلغ من عنده في كثير من الحالات قبل استرداده من الضمان الذي أخذه.
- إصدار خطابات الضمان بغير غطاء، إذا أمن البنك طالب الخطاب و وثق في أنه يفي بالتزاماته، وهذا هو الأصل في الضمان في الفقه الإسلامي، و لكن بما أن البنوك تتصرف في أموال المستثمرين فالواجب عليهما أن تحتاط و تتثبت في إصدار هذا النوع من الخطابات.
- اشتراك مع طالب خطاب الضمان في العملية إذا كانت قابلة للمشاركة، و يصدر البنك خطاب الضمان في هذه الحالة باعتباره شريكا أصيلا لا ضامنا.
و يجوز للبنك في هذه الحالات الخمس أن يأخذ مبلغا مساويا للمصاريف الفعلية و المصاريف الإدارية لإصدار خطابات الضمان، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل.
بغض النظر عما سبق لا يخفى أن بعض البنوك الاسلامية تقوم بأخذ الأجرة على خطاب الضمان بحجة أنه ليس من باب كفالة المدين بل هو مدين مليء مقتدر يمارس العمل الاستثماري و يرغب بتوسيع أعماله بالحصول على ضمانات لأهليته، و ذلك من باب الجعالة. فإصدار خطاب ضمان هو شكل من أشكال تقديم التسهيلات، لكن لا يجب اتخاذ ذلك ذريعة لعمليات الإقراض بفائدة بالاشتراط أو العرف أو التواطؤ بين المؤسسات.
Good