المشاركة
تعتبر المشاركة من أهم أساليب التمويل لعمليات الاستثمار الجماعي في مختلف الأنشطة الاقتصادية سواء كانت صناعية, تجارية أو عقارية … حيث تستخدم بفاعلية في البنوك الإسلامية باعتبار هذه الاخيرة تتعامل أساسا بمفهوم المشاركة في الربح و الخسارة، و هذا من مميزات البنوك الإسلامية عن التقليدية.
فالمشاركة هي أسلوب تمويلي يقوم على تقديم البنك الاسلامي جزءا من المال والعميل جزءا ,فيصبح البنك والعميل عندئد مالكين لرأس مال الشركة. و يشتركا بالتالي في العائد ربحا كان أو خسارة حسب النسبة المتفق عليها.
لقد ثبتت مشروعية الشركة بالكتاب و السنة والإجماع , من ذلك قوله تعالى: «فهم شركاء في الثلث». و من السنة الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال ” إن الله عز جل يقول : أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما “. كما قال عليه السلام :“ يد الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما”
كذلك فقد أجمع العلماء المسلمون رحمهم الله على جواز المشاركة بصفة عامة، و الخلاف بينهم في بعض أنواع الشركات و أحكامها. و تتعلق صيغة المشاركة بأربعة شروط جوهرية و هي: شروط العاقدين، شروط رأس المال، شروط التوزيع و الشروط التنفيذية .
أولا: شروط العاقدين
• أن يكونا راشدين
• لا يشترط في العاقدين أن يكونا مسلمين، فيجوز مشاركة المسلمين لأهل الكتاب ولكن مع اشتراط أن تكون الرقابة بيد المسلم .
ثانيا: شروط راس المال
• يشترط أن يكون رأس المال من طرفي المتعاقد.
• لا يشترط أن يكون رأس مال كل الشريكين متساوين في القيمة
• أن يكون رأس المال معلوم القدروالجنس والصفة ومحددا,تلافيا لأي نزاع عند التصفية وتوزيع الأرباح.
• أن لا يكون رأس المال دينا في ذمة أحد الشركاء
• أن يكون رأس المال من النقود المتداولة و الرائجة .
تجدر الاشارة الى أن الشرطين الأخيرين لازالا محل خلاف بين أغلب الفقهاء, مع ترجيح أن الشركة تصح بالعروض و الدين و الوديعة .
ثالثا: شروط التوزيع
• أن يكون تقسيم الربح حسب حصص رأس المال سواء تفاوت الشريكان أو الشركاء في العمل أم لا, و ذلك عند المالكية و الشافعية، بينما يرى الحنفية و الحنابلة و كثير من الفقهاء المعاصرين أن يكون ذلك حسب الاتفاق لأن العمل له حصة في الربح.
• أن يكون نصيب كل شريك من الربح جزءا شائعا لا مبلغا مقطوعا.
• أن تكون الخسارة بقدر حصة كل شريك في رأس مال الشركة عند جميع الفقهاء.
رابعا: الشروط التنفيذية
• عقد المشاركة مبني على الوكالة والأمانة فكل شريك وكل الآخر وأذن له بالتصرف في ماله وأمنه عليه
• يجوز للشريك البيع الشراء بالثمن الحاضر والمؤجل كله أو بعضه أصالة عن نفسه و نيابة عن الشريك، وله أن يقوم بكل عمل يعتاده العاملون في ذلك اﻟﻤﺠال ويقره عرفهم طالما في ذلك مصلحة لكلا الطرفين.
• لا يمكن للشريك دفع مال الشركة مضاربة لغيره أو توكيل غيره بالعمل والتصرف في المال دون إذن شريكه.
• لا يجوز للشريك الهبة من مال الشركة أو الإقراض أو خلط ماله الخاص بمال الشركة أو استعمال مال الشركة لمصلحته الشخصية .
إضافة إلى هذه الشروط، و بما أن عقد الشركة هو عقد كسائر العقود الأخرى، فيجب بالتالي توافر ركني الإيجاب والقبول.
و توفر صيغة المشاركة عدة مزايا نوجزها في ما يلي:
• صيغة غير مثيرة للجدل من النواحي الشرعية كما هو حال المرابحة، لخلوها من العيوب الشرعية و الربا .
• استغلال السيولة الزائدة عادة في البنوك الإسلامية مع تحقيق عوائد مرتفعة .
• توزيع المخاطر بين أصحاب رؤوس الأموال وتوفير الجهود بسبب توزيع المسؤوليات بين الشركاء .
• النهوض باقتصاديات العالم الاسلامي لاستثمار رأسماله و بالتالي خدمة الأمة و المجتمع.
• تحقيق التكيف والتلاؤم المستمر مع مستجدات الواقع والحياة.وبالتالي القدرة على مواجهة الأزمات والظروف الطارئة .
استقرت البنوك الاسلامية في تعاملاتها على شكلين أساسيين للمشاركة: فهي إما مشاركة ثابتة أو متناقصة منتهية بالتمليك, وكلها تجمع البنك الإسلامي مع شريك أو أكثر في مشروع أو مشاريع مشتركة. و يتم اختيار الشكل المناسب باتفاق البنك والعميل .
1- المشاركة الثابتة / المستمرة: وهي المشاركة التي يقصد بها الاستمرار و البقاء في الشركة إلى حين انتهائها. وتتم عن طريق اشتراك أكثر من طرف في مشروع ما، واسهامه بحصة في رأس المال. ويتفق المتشاركون على كيفية إدارة و تمويل المشروع.ويكون نصيب كل منهم من الربح على أساس نسبة مشاركته في رأس المال. ويمكن أن تكون المشاركة دائمة ، أو قد تنتهي بانتهاء صفقة تجارية أو مشروع مشترك .
2- المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك: وهي المشاركة التي يتم فيها تحديد نصيب كل من البنك والعميل في رأس مال المشروع، وعندما يبدأ هذا المشروع في تحقيق الأرباح يتنازل البنك تدريجيا عن حصته في رأس المال ببيعها إلى العميل إلى أن يصبح هذا المشروع بعد مدة زمنية معينة متفق عليها مملوكا من طرف العميل.
و تعتبر المشاركة المنتهية بالتمليك من الصيغ التمويلية الجديدة التي استحدثتها البنوك الاسلامية. و هذه الصيغة مفضلة لدى الكثير من طالبي التمويل الذين لا يرغبون في استمرار مشاركة البنك لهم. فالبنك الاسلامي في هذه الصيغة يتمتع بكافة حقوق الشريك العادي و يتحمل جميع التزاماته, غير أنه لا يقصد عند توقيع عقد المشاركة البقاء و الاستمرار الى حين انتهاء الشركة, بل انه في هذه الحالة يعطي الشريك الحق في الحلول محله في ملكية المشروع موضوع المشاركة, و ذلك بالتنازل عن حصته دفعة واحدة أو تدريجيا عبر دفعات حسب الشروط المتفق عليها سلفا. و من هنا جاءت تسمية المشاركة المتناقصة على هذه الصيغة من وجهة نظر البنك الاسلامي باعتبار أن ملكيته فيها تتناقص كلما استرد جزءا من تمويله، في حين يطلق اسم المشاركة المنتهية بالتمليك من وجهة نظر طالبي التمويل لأنهم سيتملكون المشروع بعد الانتهاء من تسديد مبلغ التمويل بكامله.
و قد أقر مؤتمر المصرف الاسلامي بدبي أن المشاركة المنتهية بالتمليك تكون على احدى الصور التالية :
الصورة الأولى : بيع حصة البنك للشريك يكون بعقد جديد مستقل عن العقد الأول أي عقد المشاركة ولكل واحد منهما الحق في بيع حصته سواء لشريكه أو غيره.
الصورة الثانية : يتفق فيها البنك مع المتعامل على حصول البنك على حصة نسبية من الدخل الصافي المحقق فعلا مع حق البنك في الحصول على جزء من الإيراد المحقق, ويكون هذا الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل،أي أنه يتم تقسيم الدخل إلى ثلاثة حصص,حصة للشريك مقابل كعائد للتمويل,حصة للبنك كعائد للتمويل و حصة لسداد تمويل البنك.
الصورة الثالثة : يتم تحديد نصيب كل البنك و الشريك في صورة أسهم تمثل مجموع قيمة الشئ موضوع المشاركة,حيث يحصل كل من الشريكين أي البنك و الشريك,على نصيبه من الأرباح و للشريك حرية اقتناء عدد مع معين من اللأسهم سنويا بحيث تتناقص حصص البنك تدريجيا إلى أن تنتقل ملكية أسهم الشركة بكاملها إلى الشريك فتصبح ملكية كاملة له .
و بخصوص القواعد الشرعية للمشاركة المتناقصة فهي كالتالي:
– عدم اشتراط عقد المشاركة الموقع بين الطرفين للبيع و الشراء، و إنما يتعهد الشريك بذلك بوعد منفصل عن الشركة،كما يقع البيع والشراء بعقد منفصل كذلك.
– عدم جواز تضمين عقد الشركة نصا يعطي أيا من طرفي المشاركة الحق في استرداد حصته من رأس مال الشركة
– عدم جواز اشتراط تحمل أحد الشريكين وحده مصروفات التأمين أو الصيانة ولو بحجة أن محل المشاركة سيؤول إليه.
– ضرورة تقديم كل من الشريكين حصة في المشاركة، سواء كانت مبالغ نقدية أو عينية.
– ضرورة تحديد نسبة كل من طرفي المشاركة في الأرباح و العوائد .
– لا يجوز اشتراط اقتطاع مبلغ معين من الأرباح لأحد الأطراف.
– يجوز إصدار أحد الشريكين وعدا ملزما يحق بموجبه لشريكه تملك حصته تدريجيا من خلال عقد بيع عند الشراء، ولا يجوز اشتراط البيع بالقيمة الإسمية لما في ذلك من ضمان حصة البنك من قبل شريكه وهو ممنوع شرعا.
– يجوز تنظيم عملية تملك حصة البنك من قبل شريكه بأي صورة تحقق غرض الطرفين،كتعهد شريك البنك بتخصيص حصته من ربح المشاركة أو عائدها المستحق له، أو تقسيم موضوع المشاركة إلى أسهم يقتني منها شريك البنك عددا معينا كل فترة.
– يجوز للزبون استئجار حصة البنك بأجرة معلومة ولمدة محددة مهما كانت، ويظل كل من الشريكين مسئولا عن الصيانة الأساسية لحصته في كل حين.
– من القواعد العامة للمشاركة أن الربح بحسب الاتفاق، و أن الخسارة يتحملها كل من الشريكين حسب نسبة المشاركة.
– يمكن للبنك أن يغير في أسعار بيع الحصص التالية فقط، وذلك بالاتفاق مع شريكه على اعتماد مؤشر محدد لذلك.
– يمكن أن تقع المشاركة على عقار أو أرض أو مشروع معين
– يد الشركاء على مال الشركة يد أمانة فلا ضمان على الشريك إلا بالتعدي أو التقصير، ولا يجوز أن يشترط ضمان أي شريك لرأس مال شريك آخر.
– تنتهي الشركة بانتهاء مدتها، أو قبل ذلك باتفاق الشركاء.
– يجوز التعهد من طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن أطراف الشركة بتحمل الخسارة، وذلك بـ :
› أن يكون التعهد التزاما مستقلا عن عقد المشاركة، ومن دون مقابل.
› ألا يكون الطرف الثالث الضامن جهة مالكة أو مملوكة بما زاد عن النصف للجهة المتعهد لها.
› يحق لأي من الشركاء الانسحاب من الشركة بأن يشتري الزبون بقية الحصص أو يبيع البنك بقية الحصص.
تعتبر المشاركة المنتهية بالتمليك صيغة مفضلة لدى الكثير من طالبي التمويل لما تحققه من فوائد متعددة لكافة الاطراف,و منها :
• تحقيق أرباح دورية و على مدار السنة للبنك, الذي يسترجع قيمة مشاركته في المشروع و زيادة.
• تشجيع الشريك على الاستثمار الحلال و الاستقلال بملكية المشروع.
• اما بالنسبة للمجتمع, فهي تصحح النمط الاقتصادي باعتماد مبدأ المشاركة الايجابي عوضا عن اسلوب المديونية السلبي.
و غالبا ما يكون الغرض الرئيسي لهذا النوع من المشاركة هو إما رغبة العميل في تملك عقار, أو الحصول على على المال لقضاء أغراض او مصالح شخصية.
الحالة الأولى: يرغب الزبون في تملك عقار معين لكنه لا يتوفر على قيمته، فيشارك البنك في شرائه، ويكون العقار في هذه الحالة ملكا لطرف ثالث(البائع). فتكون المشاركة هنا بالطريقة التالية :
1. يتملك البنك العقار من مالكه الأصلي بعقد شراء للعقار، ويدفع مبلغ العقار للمالك ويسجل البنك العقار باسمه.
2. يبرم عقد مشاركة متناقصة بين البنك وبين العميل الراغب في التملك، على أن يدفع الزبون جزءا من المبلغ عبارة عن مشاركته في العقار.
3. إبرام وعد شراء حصص، يعد خلاله الزبون البنك أن يشتري كامل الحصص.
4. يوقع البنك اتفاقية بيع حصص يشتري بمقتضاها الزبون حصص البنك تدريجيا إلى أن يشتري الزبون جميع حصص البنك، أو أن يتم توقيع عقد إيجار حصص يؤجر البنك حصته على الزبون،ثم يبيع البنك حصصه على الزبون بسعر رمزي أو بسعر السوق في آخر المدة، ثم ينقل البنك ملكية العقار في نهاية المدة للزبون.
الحالة الثانية: الزبون يكون راغبا في الحصول على النقد لتلبية احتياجات شخصية (سداد ديون,شراء عقار…),في هذه الحالة يجب أن يتوفر الزبون على عقار تعادل أو تزيد قيمته عن المبلغ المطلوب.و تجري العملية بالشكل التالي:
1. يوقع البنك الاسلامي عقد مشاركة متناقصة مع الزبون يدخل فيه البنك شريكا في عقار الزبون حسب المبلغ المطلوب.
2. يعد الزبون البنك الاسلامي بشراء حصصه.
3. يؤجر البنك الاسلامي حصصه على الزبون .
4. بيبع البنك الاسلامي حصصه على الزبون في نهاية المدة.
تجدر الإشارة الى أن هناك بعض الخطوات العملية التي تجريها البنوك الإسلامية أثناء عملية المشاركة, و التي تحتاج الى إعادة نظر و ذلك من قبيل:
• التزام الزبون المشارك في عملية المشاركة المنتهية بالتمليك بشراء حصة البنك بقيمتها الإسمية:و قد يلتزم ايضا بدفع نسبة ربح زائدة عن القيمة الإسمية,هذا فضلا عن الارباح التي سيحصل عليها البنك من عملية المشاركة. و هذا الإجراء فيه شبهة الربا لأن البنك قد ضمن استرداد راس المال و زيادة.فالشراء لابد أن يكون بالقيمة الجارية.
• بيع البنك الإسلامي حصته من الشركة قبل إتمام مشروع المشاركة: و يتم هذا البيع يسعر أعلى من قيمة مشاركته على أن يكون السداد مؤجلا .و هذا البيع محرم لما فيه من شبهة الربا,فهو أقرب ما يكون إلى بيع العينة.
• طلب البنك الإسلامي ضمانات عينية (رهن) أو شخصية (كفيل) من الشريك: حيث يتخذ البنك هذا الإجراء لضمان ما قد يضيع من مال الشركة, دون أن يقيد ذلك بتعد أو تقصير. و من المعلوم أن المشاركة تنبني على الوكالة و الأمانة, فكل طرف وكيل في التصرف بمال شريكه و أمين عليه, و الأمين لا يضمن الأمانة إلا إذا تعدى أو قصر في الحفاظ عليها. بالتالي لايجوز للبنك الإسلامي أن يطلب ضمانا من شريكه من غير تعد أو تقصير. و كذلك الحال في الرهن, فلا يجب على البنك الإسلامي أن يطلب رهنا إذا لم يكن مقيدا بحال التعدي أو التقصير.