واقع البنوك الاسلامية في فلسطين
تعتبر البنوك الفلسطينية عامة والإسلامية خاصة حديثة النشأة فلا يتجاوز عمرها تقريبا العشر سنوات، و قد شرعت البنوك الإسلامية في فلسطين في العمل بعد تأسيس سلطة النقد الفلسطينية العام 1995, بعد أن سمحت اتفاقية باريس الاقتصادية لعام 1993 لسلطة النقد الفلسطينية بمنح تراخيص انشاء بنوك جديدة.
البنوك الاسلامية في فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة محدودة لا يتجاوز عددها اثنان وهي البنك الإسلامي العربي و مقره رام الله, والبنك الإسلامي الفلسطيني و مقره غزة, اضافة الى بنك ثالث من المنتظر دخوله السوق الفلسطينية بعد حصوله على ترخيص من سلطة النقد في فلسطين.
و تهدف هذه البنوك الاسلامية إلى تلبية الاحتياجات الاقتصادية و الاجتماعية في مجال الخدمات المصرفية و عمليات التمويل و الاستثمار وفق أسس إسلامية تتجنب التعامل بالفائدة, و ذلك من خلال تجميع الودائع و المدخرات و استثمارها بطرق شرعية تعتمد مبدأ المشاركة في الربح و الخسارة. كما تقوم البنوك الاسلامية بتقديم مختلف الخدمات البنكية بشرط أن لا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية .
و نظرا لكون البنوك الاسلامية في فلسطين حديثة العهد فحجم الودائع لديها لا يزال محدودا لكنه يتطور بشكل سريع. فقد استطاعت هذه البنوك استقطاب الودائع من جمهور معين لا يرغب عامة في التعامل مع البنوك التقليدية بسبب اعتمادها على الفائدة الربوية أخدا و عطاءا. كما يتوقع ازدياد الدور الذي ستلعبه البنوك الاسلامية في تجميع الودائع و المدخرات خلال قادم السنوات خاصة إذا تمكنت من توسيع انتشارها في مختلف المدن والأرياف الفلسطينية.
و تتشدد معظم البنوك الاسلامية في فلسطين في تقديم التمويل وفي طلب الضمانات ,ويرجع ذلك إلى أن عملية التمويل تخضع لعدة معاييرفنية صارمة لحفظ حقوق كل من البنك من جهة و طالبي التمويل من جهة أخرى .
و من هنا نجد بأن معظم عمليات التمويل و الاستثمار في البنوك الاسلامية في فلسطين تقوم على أربعة أنواع من العقود هي المشاركة والمضاربة والمرابحة والاجارة.اضافة الى الصيغ الأخرى كالمزارعة وبيع السلم والاستصناع… و التي لا تستخدمها البنوك الاسلامية حاليا بشكل فعال لكن يمكن العمل بها مستقبلا.
و في هذا الصدد تمثل عقود المرابحة أكثر من 90% من عمليات التمويل و الاستثمار في البنوك الاسلامية، و ذلك راجع لقصر مدة التمويل وحاجة البنوك إلى السيولة الى جانب ضعف الخبرة لدى العاملين في البنوك الإسلامية لا سيما أن معظمهم يأتي من بنوك تقليدية حيث المرابحة هي أقرب الصيغ الاسلامية للتمويل المستخدم فيها.
أما بالنسبة لعقود المضاربة و المشاركة فحجمها صغير جدا في عمليات التمويل التي تقوم بها البنوك الاسلامية في فلسطين, لكون هذا النوع ينبني على أساس الثقة الكاملة بالشريك الآخر, وهو ما ليس موجودا حاليا خاصة و أن البنك الاسلامي لا يستطيع أخذ ضمانات أو رهونات عينية أو شخصية لتعارض ذلك مع طبيعة العقد. كما أن عقود المضاربة والمشاركة تستلزم فترة طويلة لاسترداد رأس المال وتحصيل الأرباح ولما كانت البنوك الاسلامية حديثة العهد فهي ملزمة أولا بتثبيت موقعها على الساحة المصرفية قبل المغامرة في دخول استثمارات طويلة الأجل ذات مخاطرمرتفعة
لذلك تركز البنوك الاسلامية في فلسطين اهتمامها حاليا على التمويلات قصيرة الأجل، وبالتالي في عقود المرابحة.فهذه الأخيرة تحتكر92% من مجموع العقود في البنوك الإسلامية في فلسطين مقابل 7% فقط لعقود المضاربة و المشاركة.
أما من الجانب الاستثماري فالبنوك الإسلامية في فلسطين كحال البنوك التقليدية, تعمل على استثمار الأموال المتبقية لديها في خارج فلسطين.و يتم ذلك على شكل استثمارات (ايداعات) لدى البنوك الإسلامية الأخرى,حيث تشكل النقود المستثمرة خارجيا 48.5% من مجموع ودائع البنوك الإسلامية أو 55% من ودائع العملاء.,وهذه نسبة مرتفعة مقارنة حتى مع البنوك التقليدية التي تصل إلى 52% من مجموع الودائع و61% من ودائع العملاء,كما تصل إلى 65% عند البنوك الفلسطينية عامة.
و تحرص البنوك الاسلامية في فلسطين على تقديم معظم الخدمات البنكية التي توفرها البنوك التقليدية مثل تحصيل الشيكات، الحوالات المصرفية و فتح الاعتمادات المستندية … كما أنها تقوم بتقديم بعض الخدمات الاجتماعية مثل جمع و توزيع الزكاة أو منح القروض الحسنة رغم قيمتها الضئيلة للغاية بحيث تستغلها بعض البنوك كنوع من الدعاية .اضافة الى ذلك تقدم بعض البنوك السلامية خدمة إدارة الممتلكات ولكن على نطاق ضيق.
و يرقى مستوى هذه الخدمات إلى تلك التي تقدمها البنوك التقليدية لكنها تفتقر إلى الكفاءة،باعتبار البنوك الاسلامية تفتقر الى الكوادر البشرية المؤهلة في العمل المصرفي بشكل عام و الإسلامي بشكل خاص. فضلا عن عدم توفر البنوك الاسلامية في فلسطين على العديد من الخدمات البنكية الحديثة كخدمة إدارة المحافظ الاستثمارية أو خدمة الصناديق الاستثمارية الإسلامية, كما أن عدم وجود بنوك مراسلة إسلامية يضطرها للاعتماد على البنوك التقليدية في بعض تعاملاتها كالحوالات و الاعتمادات المستندية.
و حرصت سلطة النقد منذ ترخيص البنوك الإسلامية على تقديم الدعم المباشر اللازم و العناية المناسبة لقناعة السلطة بالدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه البنوك الإسلامية في تطوير و تنمية الاقتصاد المحلي الفلسطيني، كما تجلى هذا الدعم في إنشاء وحدة خاصة في دائرة الرقابة على البنوك متخصصة بالبنوك الإسلامية و متابعة نشاطها، و الدفاع عنها أمام الهجمة الإسرائيلية الشرسة عليها. و رغم ذلك كله يبقى من واجب البنوك الاسلامية أن تبذل المزيد من المجهودات لتطوير نفسها و إعادة تقييم سياساتها الإدارية و الائتمانية و علاقاتها مع المجتمع الفلسطيني.
أما بخصوص المعوقات والمشاكل التي تقف أمام البنوك الإسلامية في فلسطين فهي متعددة اهمها:
- مشكلة ضعف القضاء وتعقيدالإجراءات القانونية, وهي مشكلة مشتركة مع جميع البنوك و ليس الإسلامية منها فقط. فضعف حضور القضاء يعيق تنفيذ أية أحكام تصدرعن الجهاز القضائي.
- قلة عدد البنوك و المؤسسات المالية الإسلامية في فلسطين, و بالتالي ضرورة تظافر الجهود لدع هذه التجربة حتى ترسيخ موقعها في السوق المصرفية في فلسطين.
- تأثير الأوضاع السياسية المضطربة على قيام المؤسسات المالية الإسلامية بدورها.و لنا في ما وقع لبنك الأقصى الاسلامي خير مثال, حيث قامت اسرائيل و الولايات المتحدة بوضعه على لائحة الارهاب و حظرت التعامل معه مما أدى الى تصفيته في النهاية.
- نقص في البنية التشريعية فيما يتعلق بتنظيم عمل البنوك الاسلامية خاصة.
- ضبابية عمل هيئة الرقابة الشرعية وأنظمة التدقيق الداخلي ,فبعض المؤسسات المالية الإسلامية لا تأخذ مسألة الرقابة الشرعية بالجدية الكافية، حيث يشاع أن بعض المعاملات البنكية التي تنفذ من طرف بعض المؤسسات بعد موافقة هيئة رقابتها الشرعية قد تكون غير شرعية أو مشكوك في صحتها، مما يضع المواطن في حيرة من أمره عندما يرى معاملة يوافق عليها من مؤسسة مالية إسلامية معينة وترفض من مؤسسة أخرى.
- غياب الفرص الاستثمارية المناسبة بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية غير المستقرة.
- عدم توفر الضمانات الكافية لدى المستثمرين، خاصة وأن حوالي 70% من عقارات الضفة الغربية ليست مسجلة.
- افتقارالجمهور الفلسطيني إلى صورة واضحة عن أبجديات عمل البنوك الاسلامية, حيث يجهل معظم الناس طبيعة البنك الاسلامي ونوعية الخدمات التي يقدمها .
ان دورالمؤسسات المالية الإسلامية عامة و البنوك الاسلامية خاصة في بناء الاقتصاد الفلسطيني وخدمة المجتمع دور بناء ومهم،خاصة في هذه الظروف الاقتصادية و السياسية المتقلبة,فيجب على هذه المؤسسات أن تخرج من قوقعتها و أن تعمل من أجل المصلحة العامة وخدمة الاقتصاد. كما أن السلطة الفلسطينية من واجبها أيضا أن تمد يد العون و الدعم بشتى السبل سواء الدعم الاقتصادي أو القانوني أو حتى السياسي,حتى تتمكن من فرض نفسها.