مكانة الأدوات المالية الإسلامية في النظام المصرفي الجزائري
عرفت المالية الإسلامية في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا تمثل في اتساع نطاق استخدام الأدوات المالية الإسلامية في العمل المالي والمصرفي. حيث ظهرت المعاملات المالية الإسلامية كبديل للمعاملات المالية التقليدية في البلاد العربية بهدف رفع الحرج عن المستثمرين المسلمين من خلال إيجاد أدوات مالية تتوافق ومبادئ الشريعة الإسلامية.
مقدمة:
ظهرت البنوك الإسلامية في البلاد العربية كردة فعل على وجود البنوك التقليدية ( التجارية) وذلك بهدف البحث عن الهوية الإسلامية من جهة، ومحاربة الآثار السلبية للربا، وما ينجم عنه من مخاطر اجتماعية واقتصادية.
تعرف المصارف الإسلامية على أنها: مؤسسة مصرفية مالية لا تتعامل بالفائدة ( الربا ) أخذا وعطاء. و المصارف الإسلامية هي التي ينص قانون إنشائها ونظامها الأساسي على الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية، وعلى عدم التعامل بالفائدة أخذا وعطاء، ويختلف منهج البنوك الإسلامية عن البنوك التقليدية؛ إذ تهدف البنوك الإسلامية إلى تغطية الاحتياجات الاقتصادية و الاجتماعية في ميدان الخدمات المصرفية وأعمال التمويل و الاستثمار من دون ربا، وذلك من خلال جمع مدخرات المؤسسات والأفراد وفوائض أموالها واستثمارها وتوظيفها لمقابلة هذه الاحتياجات.
يقوم المصرف الإسلامي بتقديم جملة من الخدمات لإرضاء المتعاملين معه تتضمن خدمات مصرفية لإشباع رغبات العملاء من جهة وخدمات استثمارية بهدف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك وفق ضوابط الشرعية ومن أجل تحقيق الربح أيضا. وتختلف الخدمات المقدمة من طرف المصرف الإسلامي باختلاف صيغ التمويل الإسلامية كالمشاركة والمرابحة والمضاربة وغيرها.
حققت المؤسسات المالية الإسلامية نجاحا نسبيا على المستوى الدولي، تمثل هذا الأخير في انتشار البنوك الإسلامية في أغلب الأقطار سواء أكانت أسلامية أم غير ذلك إضافة إلى رواج استعمال الأدوات المالية الإسلامية في المعاملات المالية والمصرفية.
بناء على هذا التقديم يتم طرح الإشكالية التالية:كيف يمكن أن تساهم الأدوات المالية الإسلامية في تفعيل أداء النظام المالي والمصرفي؟
عناصر البحث:من خلال الإشكالية المطروحة يمكن تفصيل البحث إلى:
1-الإطار النظري للمالية الإسلامية ( المفهوم،أدوات المالية الإسلامية، أسباب ظهور المالية الإسلامية).
2-أسباب ظهور وتطور المالية الاسلامية.
3-مكانة الأدوات المالية الإسلامية في النظام المصرفي الجزائري.
فرضيات الدراسة:
1-تعتمد السياسة المالية الإسلامية في تطبيقاتها على التشريع الإسلامي لا الوضعي.
2-يختلف دور وهدف أدوات وصيغ التمويل الإسلامي عن أدوات وصيغ التمويل التقليدي.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الموضوع في تبيان مكانة المالية الإسلامية للنهوض بالاقتصاد وذلك من خلال استخدامها لمجموعة من الأدوات تمكنها من ممارسة الوساطة المالية في السوق المالي، فهي ترتكز على مجموعة من المؤسسات التي تعمل بمبدأ الشريعة الإسلامية.
منهجية الدراسة:
تعتمد منهجية الدراسة لهذه الورقة البحثية على التحليل الوصفي الإحصائي، أما الجانب الوصفي فيعتمد على المسح المكتبي للمعلومات المتعلقة بأعمال البنوك المصرفية، أما الجانب الإحصائي فيعتمد على جمع المعلومات والأرقام من لقاءات مسؤولي البنوك الإسلامية العاملة في الجزائر، إضافة إلى المعلومات المتوفرة على المواقع الالكترونية.
أولا: الإطار النظري للمالية الإسلامية:
تعرف المالية الإسلامية على أنها مجموع المعاملات المالية والمصرفية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وعلى هذا الأساس تم إنشاء البنوك الإسلامية بقصد تغطية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية في مجال الخدمات المصرفية وأعمال التمويل والاستثمار من دون استعمال الفائدة (الربا)، وذلك عن طريق جمع مدخرات المؤسسات والأفراد وفوائض أموال الاستثمار بهدف توظيفها لمقابلة هذه الاحتياجات.
1-ماهية البنوك الإسلامية: تعرف البنوك الإسلامية على أنها: جهاز مالي يستهدف التنمية ويعمل في إطار الشريعة الإسلامية، ويلتزم بكل القيم الأخلاقية التي جاءت بها الشرائع السماوية، ويسعى إلى تصحيح وظيفة رأس المال في المجتمع.
يعرفه الدكتور عبد الرحمن يسري على أنه ” مؤسسة مصرفية تلتزم في جميع معاملاتها ونشاطها الاستثماري وإدارتها لجميع أعمالها بالشريعة الغراء ومقاصدها، وكذلك بأهداف المجتمع الإسلامي داخليا وخارجيا”.
على أساس هذه التعاريف فإن البنك الإسلامي يعمل على تقديم مجموعة من الخدمات لعملائه عن طريق استعمال أدوات مالية ومصرفية تتوافق مع مبادئ الشريعة.
2-أدوات المالية الإسلامية: يعمل البنك على التكييف الشرعي لأعماله باعتباره مؤسسة مالية تعمل على قبول الودائع وتقديم التمويل والخدمات المالية المصرفية. فمن جهة البنك التجاري فهو يتعامل مع نوعين من مستثمري الأموال، النوع الأول: يمثل عارضي الأموال. أما النوع الثاني فهم فئة طالبي الأموال، وعليه فإنّ البنك التقليدي يقوم بالاقتراض من الفئة الأولى ليقرض الفئة الثانية، وهذا ما يعطيه صفة التاجر بالقروض على أساس نسبة معينة من الفوائد. غير أن البنك الإسلامي يعتمد على ثلاثة أشكال رئيسية للتعامل في في المجال المالي والمصرفي وهي:
الشكل الأول: المضاربة المطلقة: وهو الأكثر شيوعا, ويمكن تفسيرها من جانبين: جانب مصادر الأموال (الودائع)، وينظر للمودعين على أنهم رب المال والبنك مضارب في أموالهم بحق التوكيل في الاستثمار.أما في جانب استخدامات الأموال (التمويل) فينظر إلى البنك كرب المال وأصحاب المشروعات الممولة كمضاربين بأموال البنك.
الشكل الثاني:المضاربة المشتركة: يكون دور البنك وسيط بين طرفين هما صاحب المال من جهة، ومن يعمل به من جهة أخرى ضمن اتفاقية تحدد ضوابط تحقيق الربح وتقسيماته.
الشكل الثالث:المضاربة في شكل عقد جعالة: وهنا يدخل البنك كوسيط بين طرفين هم أصحاب المال من جهة، وأصحاب المشاريع من جهة أخرى بضمان أموال المودعين. والعقد بين البنك وكلا الطرفين هو عقد جعالة، والجعالة هي إجارة على منفعة مظنون حصولها كالإجارة.
ويمكن أن نميّز بين نوعين من أدوات النظام المصرفي الإسلامي وهي: أدوات التمويل، والاستثمار والخدمات المصرفية.
ثانيا:أسباب وتطور ظهور المالية الإسلامية:
ظهرت البنوك في البلاد العربية قبل أكثر من قرن ونصف وبدأ العمل بها عام 1898عندما أنشئ المصرف الأهلي المصري في مصر، يعمل هذا النوع من المصارف على الربا والمعاملات المحرمة شرعا، ونظرا لهذا ثار العلماء والفقهاء على شيوع الربا وتطور الأمر منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين للبحث عن الهوية الإسلامية.
ويمكن تلخيص مبررات ظهور البنوك الإسلامية في النقاط التالية:
- العامل الديني الذي يرتكز على تحريم التعامل بالربا.
- تفعيل دور الوساطة المالية في الحياة الاقتصادية بمرتكزات إسلامية.
- تعطل مدخرات فئات غير قليلة من المسلمين لامتناعهم عن التعامل مع البنك التقليدي.
- ربط التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية.
- إحياء نظام الزكاة
- توجيه المشاريع نحو الاستثمارات الحلال.
بناءا على هذه الأسباب فقد عرفت المالية الإسلامية تطورا ملحوظا على المستوى العالمي من خلال تطور المعاملات المالية القائمة على الأصول الإسلامية، إذ أصبحت تمثل ما يعادل 1.3 ترليون دولار عام 2011، مقارنة مع عام 2010، فقد كانت نسبتها 1.1 ترليون دولار، أي وصل التطور بنسبة نمو تقدر بـ 14%. تتوقع المؤسسات و الهيئات المالية الدولية نمو الأصول المالية الإسلامية مابين 10% و15% في السنوات المقبلة.
إن توزيع الأصول المالية يختلف في الدول العربية عنه في الدول الإسلامية، فنجد إيران تحتل المرتبة الأولى بنسبة 35 % من إجمالي الأصول المالية وذلك بقيمة 388 مليار دولار، تليها المملكة العربية السعودية بقيمة 152 مليار دولار، ثم ماليزيا 133 مليار دولار، أما باقي الدول فكانت القيمة 83 مليار دولار. وهذا ما يوضح الشكل التالي.
شكل يوضح توزيع حجم الأصول الإسلامية في الدول المسلمة لسنة 2010
تجدر الإشارة إلى أن تطور وانتشار البنوك الإسلامية لم يكن حكرا على الدول المسلمة فقط بل تعداه إلى دول أخرى غير مسلمة، فقد بلغت نسبة الأصول الإسلامية في بريطانيا مثلا 2%.
ثالثا: مكانة الصيرفة الإسلامية في النظام المصرفي الجزائري
قامت الجزائر على غرار العديد من الدول العربية والغربية بتبني نظام الصيرفة الإسلامية، وذلك بعد صدور قانون 20/05/1991،بعدما كان قد فتح المجال أمام خدمات بنك البركة سنة 06/12/ 1990، وبعد سنوات تم اعتماد ثاني مصرف إسلامي ” مصرف السلام” 20/10/2008 بـ 72مليار جزائري ليصبح بذلك أكبر مصرف خاص في الجزائر.
وعلى الرغم من أن العمل المصرفي في الجزائر يخضع لقيود الصيرفة التقليدية وذلك حسب ما جاء في تصريح مدير بنك السلام لجريدة الشرق الأوسط إلا أن المنتجات المالية المصرفية الإسلامية تلاقي رواجا لدى المتعاملين الجزائريين، خصوصا في مجال عقود التمويل بالمرابحة،الإجارة،الاستصناع وعقود السلم والمشاركة.
أما فيما يخص عمل بنك البركة فقد تطور حجم الميزانية سنة 2010 إلى ما قيمته 120509 دينار جزائري مقابل2176.78 دينار جزائري في سنة 1993 بمعنى أنها تضاعفت بحوالي 55 مرة في الفترة الممتدة ما بين 1993-2010 . أما في مجال التمويل الاستثماري بالصيغ الاسلامية فقد بلغت ما قيمته 69068مليون دينار لدى بنك الركة سنة 2010 مقابل 21920 مليون دينار سنة 2003.
كشف ناصر حيدر، أن نمو نشاط المصارف التي تعمل وفق قواعد الشريعة الإسلامية في الجزائر بلغ 15٪ في المتوسط، وهو معدل نمو أسرع من وتيرة البنوك التقليدية، فيما بلغ إجمالي حصة صناعة الصيرفة الإسلامية عموما من إجمالي الساحة المالية في الجزائر 2٪، فيما بلغت حصة البنوك التي تعمل وفق قواعد الشريعة 16٪ من إجمالي حصة البنوك الخاصة العاملة في الجزائر والتي تسيطر على حصة سوقية مقدرة بـ13٪ إجمالا في مقابل 87٪ من الساحة لصالح البنوك المملوكة للحكومة، مشيرا إلى أن هذه المصارف تحقق أعلى معدلات العائد على الاستثمار متجاوزة 20٪ في المتوسط.
1- معوقات النشاط المصرفي الإسلامي: بالرغم من المجهودات الحثيثة من طرف السلطات الجزائرية لفتح المجال أمام الصناعة المصرفية الإسلامية إلا أن ذلك يبقى محدودا بحكم تصريحات القائمين على عمل البنوك الإسلامية في الجزائر. أعتبر موقف بنك الجزائر الإيجابي إثر الاجتهادات التي أقرها وخاصة تلك المتعلقة بتنظيم علاقته بالمصارف الإسلامية والتي سمحت بالاستفادة من خدمات ومنتجات بنكية تحتكم إلى أحكام الشريعة الإسلامية، فضلا عن حشد المزيد من الادخار الوطني وتوجيهه لدعم برامج التنمية الوطنية.إن أهم معوقات العمل المصرفي الإسلامي تتمثل في أن القانون التجاري بصيغته الحالية يمثل العقبة الرئيسية أمام تطوير صناعة الصيرفة الإسلامية في الجزائر.
ففي حالة بنك البركة الجزائري: حققت النتائج المالية لعام 2012 ارتفاعا في مجموع الدخل التشغيلي بنسبة 7% ليبلغ 8.3 مليار دينار جزائري (أي ما يقارب 106.8 دولار أمريكي) وبعد خصم المصاريف التشغيلية يصبح صافي الدخل التشغيلي المحقق يقدر بـ 7% أي 5.7 مليار دينار جزائري خلال سنة 2012 (73.33 مليون دولار).أما صافي الدخل فقد حقق زيادة بنسبة 11% ليبلغ 4.19 مليار دينار جزائري (53.9 مليون دولار).
بالنسبة لموجودات البنك فقد نمت بنسبة13.40% لتصل إلى 150.8 مليار دينار جزائري (1094 مليون دولار أمريكي) بالمقارنة مع 133 مليار دينار (1.710مليون دولار) في عام 2011. كانت هذه الزيادة نتيجة لنمو الأموال السائلة وعمليات التمويل والاستثمار، حيث بلغت قيمتها 58.56 مليار دينار ( 753 مليون دولار) لتحقق بذلك نسبة نمو 3%.
لقد استعمل البنك الطرق والأساليب التمويلية المتوفرة لديه بهدف الرفع من قيمة الموجودات، الأمر الذي سمح برفع حسابات العملاء لديه وحاملي حسابات الاستثمار بنسبة 14% لتصل قيمتها إلى 116.5 مليار دينار (1.50 مليون دولار) وهي تعمل على تمويل نسبة 77.3% من إجمالي موجودات البنك.
أما بالنسبة لحقوق المساهمين فقد تعززت بنسبة 8% ليبلغ مجموعها 21.5 مليار دينار جزائري (276.5 مليون دولار).
عموما، عرف نشاط البنوك الإسلامية داخل النظام المصرفي الجزائري نموا طفيفا، وذلك بحكم تطور و نمو العمليات التي تقوم بها هذه البنوك. فقد عملت هذه الأخيرة على منح التمويل للعديد من المشاريع في المجال الاستثماري والتنموي. فمثلا بنك البركة قد قرررفع التمويل المصغر المخصص لإنشاء المؤسسات المصغرة من 100 مليون سنتيم ليصل حتى 200 مليون سنتيم،كما يسعى البنك لتمويل عمليات شراء السكنات لصالح عملائه.
خلاصة: عرفت البنوك الإسلامية نموا ملحوظا على مستوى البلدان العربية والغربية لما تكتسبه من خصائص في أساليب التمويل والاستثمار المرتكز على مبادئ الشريعة الإسلامية.على هذا الأساس تطور عدد البنوك على مستوى العالم ككل. فالجزائر باعتبار انتمائها لهذا العالم عملت على إدخال مجموعة من الإصلاحات على أنظمتها التشريعية والقانونية، بهدف فتح المجال أمام نوع جديد قديم من أعمال الصيرفة، فهي قديمة من حيث المنشأ، حديثة من حيث تطبيقها في المنظومة المصرفية الجزائرية، وبالرغم من ذلك فإن نشاطات هذه البنوك تشهد تطوراً من سنة إلى أخرى بحسب تصريحات المسؤولين فيها، وهذا ما ورد في ورقتنا البحثية.
النتائج والتوصيات:
من خلال دراستنا يمكن أن نتقدم بالتوصيات التالية:
- محاولة تحرير نشاط البنوك الإسلامية عن طريق تعديل التشريعات الخاصة بعمل البنوك الخاصة في الجزائر.
- يجب على البنك المركزي أن يغير سياسته تجاه البنوك الإسلامية، و العمل على وضع سياسة تتماشى مع الطبيعة المميزة لها.
- إعادة صياغة القانون التجاري الذي يمثل عقبة كبيرة أمام نشاط البنوك الإسلامية.
- منح الثقة من طرف الحكومة لهذه البنوك في مجال تنمية الاقتصاد.
بن زكورة لعونية.
عدوكة لخضر.
مجلة الإقتصاد الاسلامي العالمية.