معوقات عمل البنوك الاسلامية في موريتانيا
تعد المصارف بشكل عام من البني الأساسية و الاقتصادية في أية دولة، و ذلك لما توفره من تمويلات لشتى أنواع الاستثمارات و لما تقوم به من وظائف متعددة كإيداع النقود و عمليات التمويل الداخلي و الخارجي و غيرها من العمليات المصرفية المتعددة.
و لقد برز منذ منتصف القرن العشرين تقريبا تنظيم جديد للمصارف لها أسسها و أهدافها و خصائصها المتميزة عن المصارف عموما ألا و هي ” البنوك الاسلامية ” و التي تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية بعيدا عن الفوائد الربوبية, حيث وضعت لهذه المصارف بالشكل و النوع الجديد آليات خاصة و تبنتها الدول سواء أكان منها على الصعيد الإسلامي و العربي أم الصعيد العالمي، وذلك لما وفرته هذه المصارف من ثقة و أمان كبيرين للمتعاملين معها و لما كسبته من مكاسب متعددة أدت لشهرتها.
لقد تأسست العديد من المؤسسات المصرفية الاسلامية منذ عام ١٩٤٠ في ماليزيا، وفي عام ١٩٧٥ تأسس مصرف دبي الإسلامي والبنك الاسلامي للتنمية بجدة، و حتى الألفية الثالثة بلغ عدد المصارف والمؤسسات المصرفية الاسلامية عام ما يزيد على ٣٠٠ مصرفا وتدير أصول يزيد حجمها عن ٤٠٠ مليار دولار أمريكي،
و على الرغم من حداثة تجربة البنوك الإسلامية، و ما أحاط بها من تشكيك في قدرتها على المنافسة، تمكنت هذه التنظيمات القانونية الاقتصادية الاجتماعية الحيوية, من أن تثبت ركائزها في القطاع المصرفي المحلي و العالمي وحققت الكثير من النجاحات، و من بينها انتشار العمل المصرفي الاسلامي في العديد من الدول على المستويين العربي و الإسلامي و العالمي، و التوسع في البنوك الاسلامية و قيام المصارف الربوية بفتح فروع إسلامية ونوافذ إسلامية, و قيام العديد من الدول بإصدار تشريعات لتحويل نظامها المصرفي إلي الإسلامي الذي لا يتعامل بالفائدة الربوية، و قيام البنوك الإسلامية بتوفير وتطوير التمويل اللازم للأنشطة الاقتصادية بصيغ المشاركة و المضاربة و المرابحة…. و تزايد الأبحاث و الدراسات و المراكز الخاصة بالدراسات في البنوك الاسلامية والاقتصاد الاسلامي و تحقيق الدور التنموي من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.
و لقد اجتازت البنوك الاسلامية الكثير من المشاكل و المعوقات التي وقفت في طريق نشوئها و انتشارها، على الرغم من وجود بعض التحديات والمشاكل التي تقف في طريق تطورها.
و تعددت التجارب و القوانين المنظمة لهذه البنوك (إنشائها وعملها), فمن الدول من أسلمت نظامها المصرفي بالكامل و تحولت إلي البنوك الاسلامية, و هناك دول خلطت ما بين النظامين (التقليدي و الإسلامي)، و جعلت للمصارف الإسلامية قواعد قانونية خاصة تلائم أنشطتها المصرفية، و هناك دول جعلت من النظام المصرفي الاسلامي استثناء عن النظام المصرفي التقليدي.
و علي الرغم من كل هذا التطور و تعدد التجارب، ما زالت البنوك الاسلامية في موريتانيا التي يدين كل سكانها بالإسلام تعاني من عدم كفاية الحماية القانونية. و تعد هذه المشكلة من أهم و اخطر المشكلات و التحديات التي تقف في طريق تطور هذه المصارف و تحقيق أهدافها المنشودة, فالقانون المنظم لعمل البنوك في موريتانيا لم يفرد المؤسسات و البنوك الاسلامية أية خصوصية تذكر على الرغم من وجودها منذ القرن الماضي و تزايد المصارف و مؤسسات التمويل و شركات التأمين التي تقدم نفسها علي أنها إسلامية, و تقدم متوجات إسلامية و تقول أنها تلتزم بعدم التعامل بالربا و تتقيد بضوابط الشريعة الإسلامية رغم خضوعها للقانون المنظم للمؤسسات الربوية الغير ملائم لطبيعتها و خصوصيتها, ما يهدد هذه التجربة و يعرضها لهزات و يفقد ثقة الناس بها.
كما تعاني البنوك الوليدة إضافة إلي مشكلة غياب الحماية القانونية و غياب قانون ينظم عمل البنوك الاسلامية من الكثير من المشاكل و العوائق المتعددة و المتشعبة التي يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:
- حداثة التجربة و ضعف الخبرة سواء لدى أغلب العاملين فيها أو المتعاملين معها، مما قد يؤدي في الكثير من الحالات إلى عدم الالتزام بالقيم و الأخلاق الإسلامية و القواعد الشرعية.
- الصعوبات و المشكلات المتصلة بخضوعها لرقابة البنك المركزي في الدولة حالها حال باقي المصارف التقليدية التي تتعامل بالفوائد الربوية، أخذا عند منح الائتمان وعطاءا عند قبول الودائع، ولهذا فمثلا عندما تحتاج للسيولة فهي لا ترجع للبنك المركزي في ذلك بسبب انه يفرض فائدة ربوية على القروض التي يمنحها او على عمليات خصم الأوراق التجارية, كون مثل هذه الأعمال تتعارض مع الشريعة الإسلامية حيث أنها لا تتعامل بالفائدة أخذا وعطاءا، و خضوعها لذات النسب التي يضعها البنك المركزي للمصارف التقليدية على الرغم من الاختلاف في طبيعة كل منهما.
- تركيز سياسات التمويل في البنوك الاسلامية على المرابحة و المشروعات القصيرة الأجل كالاستثمار السلعي و عمليات البيع بالتقسيط, مما أدى للانحراف في أساليب الاستثمار و التمويل, حيث ان المجامع الفقهية و المختصين يوصون البنوك الاسلامية بالتوسع بمجالات المضاربة و المشاركة و التقليل من المرابحة و إعطاء الأفضلية للمشروعات الاستثمارية الطويلة الأجل.
- غياب أو ضعف الرقابة الشرعية التفصيلية لعمل هذه المصارف و التي تعطي الضوء الأخضر لحلية أو حرمة العمل المصرفي هذا او ذاك, و هناك أسس ومعايير خاصة لهذه الرقابة. إلا انه من الملاحظ ان اغلب هذه المصارف لا تعير لهذا الجانب اهتماما كبيرا من ما يجعلها تبدو للدارسين و الباحثين وكأنها لا توجد فوارق بينها و المصارف الربوية وعلي حسب الاطلاع لم نجد تقرير للمراقب الشرعي الذي يقترن مع تقرير مراقب الحسابات في نهاية السنة المالية, و ان مثل هذا التقرير يظهر صحة المعاملات التي تم إجراؤها.
كما انه من المشكلات التي تعاني منها البنوك الاسلامية، هي عدم وجود سوق مالي إسلامي و المنافسة المصرفية الربوية الكبيرة وغياب الشفافية …
فمتى ينظم المشرع الموريتاني والدولة الموريتانية هذا الكيان الخاص والمتميز من المؤسسات المالية والمصرفية الذي يمكن أن يساهم في التنمية و إنعاش الاقتصاد الوطني و الحد من الفقر و البطالة, و يضع سياسة قانونية و اقتصادية خاصة لها و يوفر لها الإطار القانوني و الحماية القانونية التي تخدم تطور عملها وتنظمه؟؟؟
و متى يتدخل البنك المركزي لايجاد آلية رقابة تتناسب مع بيئة العمل المصرفي الاسلامي, و ضرورة مراعاة سماتها و طبيعتها المختلفة عن المصارف الربوية. و متى يصدر تعليمات تنظم تشكيل هيئات رقابة شرعية داخل هذه المصارف وجعلها شرطا لازما لترخيصها ؟؟؟
و متى يتعاون الجميع من رجال أعمال وأصحاب القرار ومختصين وباحثين علي نشر العمل المصرفي الاسلامي واطلاع المجتمع وتوعيته علي مضامين هذا العمل وتشجيعه وتطويره ؟؟؟