بالرغم من اعتراف العديد من الجهات العالمية مثل البنك الدولي بقطاع التمويل الإسلامي كأحد المكونات الرئيسية في الصناعة المصرفية العالمية، وتصريح صندوق النقد الدولي عزمه ضم خدمات الصيرفة الإسلامية إلى إطار رقابته، والحديث المتكرر منذ نهاية الأزمة المالية العالمية الأخيرة عن دوره في تعزيز استقرار القطاع المالي العالمي، وحديث الخبراء عن ارتفاع شفافية تعاملاته وانخفاض مخاطره بالمقارنة مع التمويل التقليدي، وحتى أن الأزمة المالية كان يمكن تجنبها من خلال تبني التمويل الإسلامي الذي يمول الاقتصاد الحقيقي.
إلا أن أداء قطاع الصيرفة الإسلامية – حتى في الدول الست التي تستحوذ على 80 % من الأصول المصرفية الإسلامية ما يزال غير متناسب مع الطموحات والفرص، ناهيك عن أن يكون «نظام مالي عالمي بديل».
أسباب
وحول أسباب عدم استقرار أداء قطاع الصيرفة الإسلامية، والأمور التي ما يفتقدها القطاع، والفرص الواجب استغلالها لدفع عجلة نمو القطاع، يقول محمد دمق الرئيس العالمي للتمويل الإسلامي في وكالة «ستاندرد آند بورز لخدمات التصنيف الائتماني» في تصريحات خاصة للبيان الاقتصادي: «لقد حقق قطاع الصيرفة الإسلامية نموا قويا في العقود الماضية وقد استقطب اهتماما كبيرا.
وبالرغم من ذلك، وفي ظل تراجع البيئة الاقتصادية الداعمة في بعض أسواقه الرئيسية، شهد هذا القطاع تباطؤا في النمو. وفي ظل الظروف التشغيلية الحالية، نرى بأنه أمام القطاع بعض الفرص لتحقيق نمو في المستقبل. ولكن ذلك يتطلب عدد من المتطلبات الأساسية.
تكمن الفرصة الأولى في الارتباط الطبيعي بين مبادئ التمويل الإسلامي وبعض أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. نرى بأن كلاهما يهدفان إلى تحقيق تمويل يتسم بالمزيد من المسؤولية والإنصاف وموجها نحو الاقتصاد الحقيقي.
إن مشاركة مؤسسات الإقراض متعددة الأطراف بشكل أكبر في الصيرفة الإسلامية من خلال إصدار الصكوك وطرح منتجات الصيرفة الإسلامية، من جهة، والتطبيق الأكثر صرامة لمبدأ تقاسم الربح والخسارة، من جهة أخرى، يمكن أن يخلق بعض فرص النمو المستقبلية.
أما الفرصة الثانية فتكمن في مشاركة بعض مؤسسات الإقراض متعددة الأطراف بشكل أكبر في تحقيق توحيد أكبر للمواصفات في الهياكل القانونية وتفسير أحكام الشريعة. يرى بعض مراقبي السوق أن الجدل الدائر حول توحيد المواصفات أصبح من الماضي. ونحن نرى بأن هذه الخطوة لا تزال بالغة الأهمية، ونرى أيضا بأن هذا الجدل مهم لإعادة القطاع إلى مسار النمو القوي.
وتهدف مؤسسات الإقراض متعددة الأطراف إلى إطلاع السوق على كيفية توحيد المواصفات من خلال تطبيق الهياكل القياسية، أو توحيد الوثائق، أو الخطوات الواجب على المُصدرين اتباعها لجعل عملية إصدار الصكوك أسهل وأكثر كفاءة.
ونعتقد أيضا بأنه في حال توحيد المواصفات، سيحظى أصحاب المصلحة بمزيد من الوقت لتعزيز الابتكار ولابتداع أدوات جديدة في قطاع التمويل الإسلامي، مما سيسهم في تعزيز النمو. وتكمن الفرصة الثالثة في تعزيز توحيد القطاع للانتقال به من وضعه الحالي كمجموعة من القطاعات الصغيرة إلى قطاع عالمي حقيقي».
نجاحات
ويضيف دمق: «هناك العديد من قصص النجاح في مجال الصيرفة الإسلامية. وبإمكان العملاء الجدد الاطلاع على النجاحات السابقة التي حققها المشاركون في السوق كمحفز. على سبيل المثال، يمكن لبعض مُصْدري الصكوك الاستفادة من التجربة الماليزية، حيث أن سلاسة عملية إصدار الصكوك لديها بنفس درجة إصدار السندات، على حد فهمنا.
ويمكن إيجاد أمثلة أخرى في عمليات الاستحواذ الخارجية، والتي قد تساعد القطاع على توحيد تفسير أحكام الشريعة بهذا الشأن. رأينا ذلك مسبقاً في العديد من عمليات الاستحواذ التي قامت بها بنوك خليجية في تركيا، على سبيل المثال. يحتاج القطاع أيضاً للمزيد من التكامل، من وجهة نظرنا.
على سبيل المثال، إصدار المزيد من الصكوك يمكن أن يساعد شركات التكافل على الاستثمار أقل في قطاعات العقارات والأسهم المحفوفة بالمخاطر، والبنوك في إدارة السيولة لديها، والصناديق للحصول على إيرادات ثابتة إلى حد ما وتخصيص صناديق أخرى للمزيد من أدوات تقاسم الأرباح والخسائر. تستطيع البنوك البدء بطرح منتجات التكافل بشكل ممنهج أكثر في حال سن القوانين اللازمة لذلك.
وسيتم إعطاء دفعة للتقدم في حال قام المنظمون بخلق بيئة تنظيمية أكثر دعما، بينما يقوم المتخصصون في علم الشريعة، ومؤسسات الإقراض متعددة الأطراف، والعاملون في مجال القانون بالعمل معا للتوصل إلى توحيد المواصفات.
ويمكن للجامعات تقديم التدريب اللازم والمعرفة لإنشاء الجيل الجديد المطلوب من المتخصصين في مجال الصيرفة الإسلامية. أخيراً، يمكن لجميع القطاعات التي تشكل الاقتصاد الإسلامي العمل معا لتحقيق المزيد من التكامل. على العموم، إن توحد القطاع وتكامله سيحقق نموا أقوى».
وائل اللبابيدي
@ albayan 2016
مقالات أخرى
■ المصارف الإسلامية تذبح على الطريقة الشرعية.
■ المصارف الإسلامية بين النقد البناء وسوء النية.
■ قروض البنوك الإسلامية في الميزان.
■ البنوك الإسلامية والبنوك الحلال.