ضوابط المقاصد الشرعية
يرى الإمام الغزالي أن مقاصد الشرع من الخلق خمسة، بحفظ دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة، ودفعها مصلحة، وهذه هي المصلحة المعترة شرعا التي تقوم على المحافظة على هذه الأصول الخمسة وصيانتها.
والأحكام الشرعية هي وعاء المصالح فالإسلام ما جاء بحكم إلا وفيه مصلحة مقصودة، والمصالح ليست مرتبة واحدة إنما على ثلاثة مراتب.
المرتبة الأولى: الضروريات
و هي التي لا تتحقق وجوه المصلحة المذكورة إلا بها، فالضروري بالنسبة للنفس هو المحافظة على الحياة، والمحافظة على الأطراف، وكل ما لا يمكن أن تقوم الحياة إلا به، والضروري بالنسبة للمال هو ما لا يمكن المحافظة عليه إلا به، وكذلك بالنسبة للنسل. وكل ما يترتب عليه فوات أصل من الأصول الخمسة المذكورة يعد ضروريا.
وقد شدد الشرع الإسلامي في حمايته، فإذا توَقف حفظ الحياة على فوات أمر محظور أباح الشرع تناول المحظور، بل أوجبه إذا لم يكن فيه إعتداء على أحد. و عليه وجب على المضطر الذي يخاف الموت جوعا أن يأكل الميّتة والخنزير وأن يشرب الخمر تحت قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) والضرورة كما أسلفنا تقدر بقدرها.
المرتبة الثانية: الحاجيات
وهي التي لا يكون الحكم الشرعي فيها لحماية أصل من الأصول الخمسة، بل يُقصد دفع المشقة أو الحرج أو الإحتياط لهذه الأمور الخمسة، كتحريم بيع الخمر لكيلا يسهل تناولها، وتحريم رؤية عورة المرأة، وتحريم الصلاة على الأرض المغصوبة، وتحريم تلقي الركبان، وتحريم الإحتكار، والإحتيال. ومن ذلك أيضا إباحة كثير من العقود التي يحتاج إليها الناس كالمزارعة والمساقاة والسلم والمرابحة والتولية.
المرتبة الثالثة: التحسينيات
وهي الأمور التي لا تحقق أصل هذه المصالح، ولا الإحتياط لها، لكنها ترفع المهابة، وتحفظ الكرامة، وتحمي الأصول الخمسة. ومن ذلك بالنسبة للنفس حمايتها من الدعاوى الباطلة والسب وغير ذلك مما لا يمس أصل الحياة ولا حاجيات من حاجياتها، ولكن يمس كمالها ويشينها، وذلك يلي المرتبتين السابقتين.
ومن ذلك بالنسبة للأمور المالية تحريم التغرير والخداع والنصب، فهو لا يمس المال ذاته بل يمس إرادة التصرف في المال عن بيّنة وإدراك صحيح لوجوه الكسب والخسارة. فهو لا إعتداء فيه على أصل المال ولكن الإعتداء على إرادة المتصرف.
و يتجلى أثر القاعدة في التكاليف الشرعية في التالي:
1-المحافظة على الدين لأن الدين لابد منه للإنسان ليهذب سلوكه، و يعلي مرتبته.
2-المحافظة على النفس بالمحافظة على حقها في الحياة و حمايتها من أي إعتداء عليها بالقتل أو قطع الأطراف أو الجروح، و المحافظة على الكرامة الإنسانية بمنع القذف والسب.
3-المحافظة على العقل بحفظه من أي أذى، والمحافظة عليه تستلزم:
-أن يكون كل عضو من أعضاء المجتمع الإسلامي سليما يمده بالخير والنفع.
-ألا يعرض عقله للآفات فيكون عبئا على الجماعة.
-أن يعمل على وقاية عقله من الشرور والآثام، لذلك عوقب شارب الخمر ومن يتناول المخدرات قياسا على الخمر.
4-المحافظة على النسل للمحافظة على النوع الإنساني وتربية الناشئة تربية تربط بين الناس بالأُلفة، ومنع الإعتداء على الحياة الزوجية، ومنع الإعتداء على الأعراض. لذلك كانت عقوبة الزنا، وعقوبة القذف، وغير ذلك من العقوبات التعزيزية الي وضعت لحماية النسل.
5-المحافظة على المال بمنع الإعتداء عليه بالسرقة والغصب ونحوهما، وتنظيم التعامل بين الناس على أساس العدل والرضا، والعمل على تنميته ووضعه في أيد تحفظه وتقوم على رعايته. لذلك مُنع أكل المال بين الناس بالباطل، وشرّع التعامل بالبيوع والمشاركات والإجارات وغيره