تصفية التركات و تنفيذ الوصايا
تضطلع البنوك الاسلامية في إطار خدماتها الإجتماعية بتقديم خدمة تصفية التركات و تنفيذ الوصايا. و يعتبر البنك الأهلي المصري من الرواد الذين أدخلوا هذه الخدمة بالنسبة للبلاد العربية تحت إسم خدمة امناء الإستثمار. و يوفر البنك الاسلامي في قيامه بهذه الخدمة, الجهد و المال و الوقت على الورثة كونه ذا خبرة واسعة فيما يتعلق بمعالجة قضايا المواريث و الوصايا وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية.
ساهم تطور الحياة و كثرة مشاغل الناس في صعوبة توزيع التركة باليسر و السهولة التي كانت معهودة فيما مضى, فالأموال قد كثرت و المعاملات الخاصة بتوزيع التركة قد تعددت, إبتداءا من حصر الإرث و حساب الديون و معرفة بالحقوق المترتبة على المتوفى… مما فرض ضرورة وجود وكلاء يختصون بإجراء و متابعة مثل هذه المعاملات, كالمحامين الذين يتولون إجراء حصر و توزيع تركة المتوفى بأمر من إدارة التركات في القضاء أو بتوكيل من الورثة.
و تتم هذه العملية عبر قيام العميل بتوكيل البنك الاسلامي ليضطلع بدور المُصفي لأمواله بعد وفاته, منعا للنزاع بين الورثة أنفسهم أو بينهم و بين الجهات الرسمية. و تحقق هذه الخدمة مصلحة مزدوجة سواء بالنسبة للعميل أو المصرف الاسلامي:
1- بالنسبة للعملاء :
- تخفف عن العملاء أعباء متابعة أمور ممتلكاتهم .
- توفر الجهد و المال و الوقت .
- تجنب أي نزاعات قد تحصل بين الورثة أنفسهم, أو بين الورثة و الجهات الرسمية.
2- بالنسبة للبنك الاسلامي :
- تحقيق البنك الاسلامي دخلا منتظما نتيجة قيامه بالوكالة .
- توسيع البنك الاسلامي مجال علاقاته مع العملاء لتستمر حتى بعد مماتهم .
- إكتساب عملاء جدد هم الورثة, الذين قد يقرروا التعامل مع البنك الاسلامي عندما يرونه أهلا للثقة.
و تزداد أهمية إدارة الممتلكات التي تقوم بواجب إدارة التركات و تنفيذ الوصايا, في حال كون الورثة مشغولين عن متابعة أعمالهم, أو في حال كونهم تحت سن البلوغ مما يستوجب أن يصبح المصرف الاسلامي وصيا بأمر من المُورث أو بأمر من القاضي ضمانا للحقوق المتعلقة بالتركة, من سداد الديون و إعطاء كل ذي حق حقه, فضلا عن حفظ أموال الورثة الضعفاء كي لا يتعرضوا للظلم أو الإستغلال .
و العمل الذي يقوم به البنك الاسلامي في إدارة تركة المتوفى و تنفيذ وصاياه يسمى تصفية التركة. و يقصد بها مجموع الأعمال التي غايتها حصر حقوق المتوفى و التزاماته, و أداء الحقوق لأصحابها من دائنين و موصى لهم و ورثة.
و التصفية ليس أمرا إلزاميا, بل تبقى من إختيار العميل قبل وفاته. فقد يقع إختياره على البنك الاسلامي ليكون هو القائم بعمل التصفية نظرا لثقته به و حسن تعامله معه.
هذا المعطى يفرض على البنوك الاسلامية أن تضع خطة لإجتداب العملاء و إعطائهم فكرة واسعة و شرحا وافيا عن هذه الخدمة, حتى يشعر العميل بإطمئنان تجاه البنك الإسلامي, و يبادر بالتالي الى تعيينه وصيا على تركته بعد وفاته .
أما في حالة عدم تعيين العميل لوصي قبل وفاته, فإن أمر التصفية و تعيين المصفي منوط بالقاضي, و ذلك إذا ما دعت الحاجة الى تعيين مصفي بأن تكون التركة معسرة مثلا. كما يمكن للبنك الاسلامي أن يتدخل لدى الورثة و يعرض عليهم القيام بهذا العمل, فإذا ما وافق الجميع طلبوا من القاضي تعيين البنك كوصي .
و فيما يخص الاختصاصات و الصلاحيات المنوطة بالمصفي فتتمثل في ما يلي :
- تسلم أموال التركة: فإذا كان للمتوفى أرصدة لدى المصرف الاسلامي و تم تكليف هذا الأخير بعملية التصفية, فإنه يتابع إجراءات إستلام بقية أموال المتوفى. أما إذا عُين البنك الاسلامي وصيا و مُصفيا, وجب عليه تسليم جميع أموال المتوفى.
- تسديد نفقات تجهيز الميت.
- جرد التركة بحصر ديونها و حقوقها: و ذلك سواء داخل البلاد و خارجها, عبر تكليف الدائنين و المدينين بتقديم بيان بما لهم من حقوق و ما عليهم من ديون.
- تسوية ديون التركة: من خلال مطالبة المدينين بما عليهم و إعطاء الدائنين حقهم. هذا في حال ما كانت التركة موسرة, أما إذا كانت التركة معسرة أو محتملة الإعسار فتتوقف عملية تسوية الديون جميعا حتى يفصل القضاء نهائيا في جميع المنازعات المتعلقة بديون التركة.
- إستصدار بيان الإرث (من يرث و من لا يرث).
- تسليم أموال التركة للورثة و قسمتها عليهم وفقا للأنصبة الشرعية.
و قد يستفيد البنك الاسلامي بجعله وصيا على مال اليتيم بقرار من القضاء, أو في حالة ما إذا وكله بعض المستفيدين من التركة بإدارة أموالهم و إستثمارها.
هذا في حال كون البنك الاسلامي هو المصفي للتركة, أما عندما يكون منفذا فقط للوصية دون توكيله بتصفية التركة, فإن الإجراءات المتخذة لتنفيذ الوصايا من قبل البنك تكون كما يلي:
- يتأكد البنك الاسلامي من صحة الملكية لعناصر الثروة الموصى بها.
- إيداع الوصية داخل خزائن البنك لحين تحقق شروط تنفيذها (موت الموصي).
- إعلام المستحقين عند تحقق شروط تنفيذ الوصية .
- إتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل ملكية مال الوصية الى مستحقيها.
و يكون البنك الاسلامي عند تعيينه مُنفذا للوصايا وكيلا عن المستفيدين من الوصية ضد الطاعنين في صحتها. و يستفيد البنك من هذه العملية من خلال تحقيق دخل على شكل أجر في مقابل قيامه بتنفيذ وصايا عملائه.
بالإضافة الى ما سبق ذكره فإن البنك الاسلامي عند تصفيته للتركات و تنفيذ الوصايا, قد يقوم بعمل الوصاية على اليتامى الذين قد يتركهم أحد عملائه, مع ما يتطلبه ذلك من عناية و رعاية سيرا على هذي الرسول ﷺ الذي أوصى خيرا باليتامى, مبشرا من يقوم بكفالة اليتيم و رعايته بالجنة. فمن واجب المجتمع الاسلامي أن يهتدي بالرسول عليه الصلاة و السلام, في رعاية الأيتام و تقديم يد المعونة إليهم فضلا عن إسدال الخير و المعروف عليهم .
يجب على البنك الاسلامي في هذا الصدد أن يبذل قصارى جهده في تلبية حاجيات الأرامل و الأيتام, مستغلا إمكانياته المالية للقيام بهذا الواجب الديني و الإجتماعي. فلا مانع من أن يستثمر البنك الاسلامي أموال اليتامى في مشاريع إقتصادية تحقق لليتيم دخلا يستطيع الإنفاق منه حفاظا على مال اليتيم من الضياع, فقد ورد أن النبي ﷺ خطب الناس فقال: “ألا من ولي يتيما له مال فليتجر فيه و لا يتركه حتى تأكله الصدقة”.
يتجلى مما سبق أهمية الدور الذي تلعبه البنوك الاسلامية في المجتمع الاسلامي, كونها ليست فقط مؤسسة مالية تبقى غايتها تحقيق الربح فقط, بل هي عضو فاعل في المجتمع يحمل رسالة نبيلة عنوانها إرساء أواصر التكافل و التضامن بين كافة المسلمين .
كم تستغرق من الوقت لصرف التركة للورثة