بعض أوجه المقارنة بين المصارف الإسلامية والتقليدي
تعتبر المصارف الإسلامية حديثة العهد مقارنة بالمصارف التقليدية. وظهرت هذه المصارف في أواخر القرن الماضي وبدأت أولا بإتباع نظام عدم التعامل بالفائدة، ثم تطورت إلى مرحلة القيام بدور الوساطة بين جمهور المودعين والمستثمرين من خلال منتجات “حلال”.كل ذلك بالإضافة إلى المبدأ الاصيل في التخلي عن الربا والضرر والجهالة في المعاملات، مع تحمل المخاطر، والاستناد لقاعدة اقتسام الربح والخسارة. كما أن المصارف الإسلامية ترتبط أيضا مع عملائها بعلاقة مشاركة ومتاجرة وليست علاقة دائن ومدين.
و وفق تقرير صندوق النقد الدولي استطاعت المؤسسات الاسلامية المالية، رغم حداثتها، جذب كثير من المتعاملين ورؤوس أموال كبيرة على المستوي العالمي، وأفلحت في زيادة الطلب على منتجاتها، حيث أن التمويل الاسلامى سوف يصل حتى نهاية عام 2015م إلى 3.4 ترليون دولار أمريكي. كما أنها كانت قد سجلت نموا مضطردا ما بين أعوام2003-2013م. كما أن المصارف الاسلامية تحوز أصولا تجاوزت قيمتها 1.2 ترليون دولار في نهاية العام 2013م.
وذكر صندوق النقد الدولي إلى أن قطاع التمويل الاسلامى يمتلك مؤهلات تمكنه من زيادة مساهمته وذلك في ثلاثة جوانب: أولها زيادة شمول الخدمات المالية لفئات جديدة لا تطرق باب التمويل التقليدي، وثانيها هو تشدد القطاع في ربط تمويلاته ونشاطه بالاقتصاد الحقيقي ومبدأ تقاسم المخاطر في المنتجات التي يقدمها. أما ثالثها فهو تحريم المضاربات المالية, مما يعني أن المخاطر التي تحيط به أقل مقارنة بالتمويل التقليدي, و تعدد الأدوات الاستثمارية الاسلامية المستخدمة في المصارف الإسلامية.
وهنالك دوما اصوات تنادي بضرورة تفعيل جميع أدوات التمويل الاسلامية وعدم التركيز على أدوات محدودة، وذلك من أجل توسيع مظلة سقوفات التمويل الاسلامي بخلق عدم إنسجام وتوافق بين المعايير المطلوبة لتنفيذ المالية الإسلامية، ودرجة نمو الطلب على المنتجات التمويلية بشكل يفوق العرض. ويعزى عدم استخدام العديد من صيغ التمويل الإسلامية إلي عدم تطوير المصرفية الاسلامية والتي تقتضي إقرار حزمة من الاصلاحات أبرزها ضرورة الإستفادة من التكنولوجيا والأفكار والتقنيات الجديدة مع التوسع فى طرح و إبتكار المزيد من المنتجات المالية الجديدة وتدريب الكوادر البشرية على الأدوات الجديدة.
وتواجه، وعلى وجه العموم، منظومة التمويل الاسلامي جملة من التحديات الأساسية التي لابد من علاجها سريعا إن أراد هذا القطاع استغلال الهامش الكبير المتوفر لديه للتطوير والنمو بشكل سليم. ومن أهم هذه التحديات التي تواجه الصيرفة الإسلامية في المجتمعات المالية التقليدية هو الافتقار إلى إطار تنظيمي ورقابي يتوافق مع طبيعة المخاطر التي يواجهها، ويعتمد علي الأطر التنظيمية والرقابية الخاصة بالقطاع التقليدي، والتي عرفت توسعا كبيرا في ظل هذه الأطر المنظمة لها، مع قدرته على إدارة نشاطه في ظل بيئة تشريعية وضريبية وبنية تحتية مالية لا تراعي خصوصية هذا القطاع في تقديم خدمات ومنتجات تتوافق مع الشريعة الاسلامية. ولا ريب أن هذا الوضع يتطلب تعاونا تنظيميا بين واضعي المعايير المالية الاسلامية والمعايير المالية التقليدية.
ويمكن للمصارف الإسلامية المساهمة في مواجهة الازمات المالية العالمية وتكملة النظام المالي. إلا أن المنتجين الاساسين لهذه المالية الإسلامية ما زالوا يخضعونها إلى دراسة مقارنة بالمالية التقليدية. إلا أن التركيز على المميزات للمالية الاسلامية دون إعمال حزمة من الاصلاحات الضرورية عليها بعد التطبيق العملي لها يقلل بلا شك من فرص إيجاد أدوات جديدة، حيث أن أسلوب المقارنة بين النظامين فيه درجة من عدم تجاوز مرحلة غدت بالفعل واقعا عمليا من حيث حجم رؤوس الأموال، ومن حيث عدد المؤسسات الإسلامية، ومن حيث عدد المتعاملين معها في جميع أنحاء العالم، خاصة بعد ثبات أوضاع المصارف الاسلامية إبان الازمة العالمية.
وعند المقارنة كذلك بين كثير من الأدوات المالية الإسلامية وبين المالية التقليدية في أمور مثل التمويل الأصغر، نجد أن هناك العديد من القواسم المشتركة التي تجمع بين التمويلالأصغر التقليدي والتمويل الإسلامي. فالإسلام كما هو معلوم يشدد على أهمية الاعتبارات الدينية والأخلاقية في مجال تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع كافة، فيما يعرف حديثا بـ”التنمية المستدامة” التي تعتبر جزءا أصيلا من قواعد النظام المالي الإسلامي، مثل حق الأفراد في تملك وسائل الإنتاج الفردي وواجباته تجاه المجتمع, تقاسم المخاطر بين أطراف المعاملات الاقتصادية تطبيقا لقاعدة “الغنم بالغرم” مع الايفاء بالالتزامات، وهي سمات يتوافر جلها في التمويل الأصغر التقليدي أهمها حق الفقراء في المشاركة في النشاط الاقتصادي لتحقيق الأهداف التنموية والاجتماعية مع تمكين المرأة عملا بالشعار المعروف” الشمولية المالية حق للجميع”.
غير أن التمويل الاصغر الاسلامي لم يحقق غير نجاحات بالغة التواضع، بالمقارنة مع نظيره التمويل الأصغر التقليدي. ويلقي باللوم في هذا الجانب على الصيغ الإسلامية في التمويل الأصغر باعتبار أنها جوهر الاختلاف بينهما. فمثلا يقلل بند التكاليف العالية في التمويل الاصغر الاسلامي من جدوى استخدامه للفئات المستهدفة، وكلاهما يستهدف شريحة الفقراء النشطين اقتصاديا، في حين كان الأحرى بالتمويل الأصغر الإسلامي إدراج شريحة الاكثر فقرا ضمن تعاملاته باعتباره يدعو إلى اقتصاد اجتماعي تكافلي. ولعله من الأجدى للمالية الاسلامية الخروج من نفق المقارنة مع النظام المصرفي التقليدي للانطلاق إلى سلم الابتكار لأدوات جديدة لتغطية رغبات شرائح المتعاملين المتغيرة والمتجددة دوما، وذلك دون الالتفات إلى إثبات أفضلية التعامل مع أيهما، فالنظم الاقتصادية تنوعت منذ القدم لاختلاف مفاهيم المتعاملين مع تلك النظم المتباينة سواء باختلاف مسمياتها، وبحسب اختيار المتعامل للنظم المختلفة وفق ما يناسب احتياجاته سواءا كان علي مستوي الفرد أو المجتمع أو الحكومات، حيث أن الصيرفة الاسلامية أوجدت بدائل لكثير من الخدمات الموجودة فى الصيرفة التقليدية من حيث الهيكلية وآليات العمل دون اختلافات جوهرية بينهما، وأهمها في السوق العالمي إعتبار المصرفيين الاسلاميين البديل الشرعي للتورق هو التصكيك على سبيل المثال.
ومن الملاحظ الآن أن كثيرا من المسلمين يتعاملون مع النظام المصرفي التقليدي، وبالمقابل هنالك أيضا كثير من غير المسلمين يتعاملون مع النظام المصرفي الاسلامي. ولعل انشغال الباحثين بفكرة إعمال المقارنات بين النظامين في مناطق لا تطبق فيها المالية الاسلامية (دون النظر للمعتقدات) يعتبر من باب الاجتهاد الترويجي المطلوب لتوسيع انتشار رقعة المتعاملين، حيث أصبحت المالية الاسلامية واقعا معاشا ينتشر الآن بوتيرة متسارعة. ونجد أخبار عن متعاملين جدد من مناطق مختلفة فهناك مثلا مصارف روسية تدعو لاعتماد التمويل الاسلامي ضمن منظومتها المصرفية، ومصارف في اليابان توسع إستثماراتها باللجوء للتمويل الاسلامي، وهنالك المزيد من الأمثلة لتعامل غير المسلمين بالنظم المالية الإسلامية. أختم بالقول بأنه يجب تركيز جهود المنشغلين بالنظم المالية الإسلامية على إيجاد صيغ جديدة وأدوات أخرى توسع من رقعة أدوات التمويل الإسلامي عوضا عن المقارنات مع النظام التقليدي.
د. نازك حامد الهاشمي.
سودانايل.