البنوك الاسلامية بنوك ربوية بامتياز
كثر الحديث حول نجاة البنوك الاسلامية من أثار إنهيارات الازمة المالية العالمية، وعن قدرتها على إنقاذ الاقتصاد العالمي وانتشاله مما هو فيه الان من كساد، وقد ظهرت حملات ترويجية منظمة لهذا الطرح عبر وسائل الاعلام المختلفة، قدمت خطابا حول معتقدات ومنهج البنوك الاسلامية.
زاد طرح إدعاءات هذا الخطاب مؤخرا في زخم قوي بعد ما نشرت صحيفة «أوسيرفاتور رومانو» لسان حال الفاتيكان، مقالة دعت فيها الى ضرورة «النظر بتمعن في قواعد المعاملات البنكية الاسلامية»… وقد روج لهذه الدعوة بتحوير يوحي بإشادة الفاتيكان بتجربة تلك البنوك، وتبني أليات ومبادئ ومعاملات الاقتصاد الاسلامي باعتبارها طوق النجاة الوحيد امام الاقتصاد الغربي المتهالك .
ويحسن عند هذه النقطة إثارة اسئلة كثيرة حول إمكانات البنوك الاسلامية، ونجاعة أدواتها البنكية، وقدرتها على النجاة من الازمة المالية, وللإجابة يجدر طرح بعض الملاحظات الاستدراكية التالية :
1. تتسم البنوك الاسلامية بضألة حجمها من الناحيتين العددية والمالية، إذ ان عددها بعدأكثر من ثلاثة عقود من بداية تجربتها لا يزيد حاليا عن 300 بنك ومؤسسة إسلامية موزعة على60 دولة، تقدر قيمة اصولها بنحو800 مليار دولار (80% منها تخص المصارف الاسلامية الخليجية والايرانية وحدها)، وهومبلغ ضئيل جدا مقارنة بما هو عليه الحال في المصارف العالمية إذ لا تساوي إجمالي أصول بنك تقليدي واحد كدوتشيه بنك
2. تواجه البنوك الاسلامية تحديات كثيرة في مجال عملها حددها مجلس الغرف السعودية باحد عشر تحديا (نشرها في موقع الاسواق نت بتاريخ 24-04-2007) منها على سبيل المثال لا الحصر : وجود مفاهيم غامضة حول بعض المعاملات الماليةالاسلامية من حيث كونها حلالا او حراما، نظرا لعدم وجود رأي شرعي موحد بشأنها من قبل علماء الدين الشرعيين، إضافة الى عدم إلتزام بعض هذه البنوك بالاجراءات والخطوات الشرعية عند تقديم الخدمات
.3. ثمة مؤشرات كثيرة تؤكد على ان البنوك الاسلامية ليست في مأمن من أضرار الازمة المالية، وان بنوك اسلامية خليجية كثيرة تضررت لاعتمادها الزائد على العقار الذي شهدت بعض قطاعاته أزمة وتراجعا، كذلك تضررت من تراجع اسواق الصكوك وازمة السيولة وتراجع الاسهم، خاصة اسهمها التي كانت اشد تراجعا من قيمة اسهم البنوك التقليدية، وقد صرح في اكتوبر الماضي لرويترز في هذا الشان بادليسياه عبد الغني الرئيس التنفيذي لبنك سي أي إم بي الماليزي الاسلامي مبينا ان بعض البنوك الاسلامية في الدول الخليجية قد تنهار ما لم تدعمها المساعدات الحكومية، وذلك بسبب الجمود الذي اصاب اسواق الائتمان، ونتيجة هبوط اسعار العقارات، وتداعيات إنخفاض أسعار المواد الاولية والنفط لانها المحرك الاساسي لقطاع التمويل الاسلامي، وقد كشف المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الاسلاميةعن أثارهذه الخسائر ايضا، وببن أن إصدارات الصكوك الاسلامية قد تراجعت بنسبة 50% في اواخر عام 2008 الى نحو 20 مليار دولار بسبب الازمة المالية العالمية
4. إهتمام البنوك التقليدية الغربية في إدخال الصيرفة الاسلامية ضمن اعمالها سببه إهتمام هذه المصارف باستيعاب اموال جديدة تضاف الى اصولها تجمعها من المسلمين الذين تزيد اعدادهم عاما بعد اخر في الدول الغربية، وتحقق بهذا ارباحا مجزية في ميزانياتها العمومية، اي ان الامر لا يزيد عن كونه عملية تجارية بحتة لا علاقة لها بالعقائد وانتصار الاقتصادالاسلامي على الربوي كما يحلو للبعض قوله ونشره في وسا ئل الاعلام .
وحتى لا أترك الامور تجري على عواهنها في هذا السياق، من الانصاف هنا إلتماس أدلة تقييمية لتجربة البنوك الاسلامية من اهل الفقه والشريعة، وأبدأ بالدكتور عبد الحميد الانصاري (أستاذ الشريعة وعميد كلية الشريعة والقانون السابق في جامعة قطر) الذي شدد في حوار اجرته معه جريدة الراية القطرية بتاريخ 24-12-2008، على عدم وجود نظام اقتصادي اسلامي مفصل ومتكامل، بل يوجد فقط قواعد عامة ومبادئ حاكمة وادوات مالية محدودة لاتسعف في حل الازمة المالية العالمية، ولا تصلح ان تكون بديلا للنظام الاقتصادي الحالي، كما بين ايضا ان البنوك الاسلامية ليست في مأمن من انهيارات الاسواق خاصة وان الكثير مما تقدمه هذه البنوك من ادوات بنكية «قادم» من البنوك التقليدية، واضاف مؤكدا انها تضررت من تراجع اسواق الصكوك وأزمة السيولة وتجمد اسواق الائتمان وتراجع اسواق العقار، وتراجع قيمة الاسهم في البورصات
.وهكذا كما لا يتوقع لم يبطئ بعض رجال الدين من نقد الجوانب النظرية والعملانية للبنوك الاسلامية ، وارجع هنا الى كاتب اخر منهم هوالشيخ حامد بن عبد الله العلي (استاذ الثقافة الاسلامية في كلية التربية الاساسية في الكويت) الذي يأخذ نقده للبنوك الاسلامية منحى غريبا، حيث يتهمها في مواقع كثيرة بالتحايل على الربا، باختراع معاملات ظاهرها بيع، وباطنها القرض بفائدة، كما يتهم الهيئات الشرعية التي تفتي للبنوك الاسلامية، بانها «تفتي بهواها، ويتقاضى شيوخها رواتب عالية ومكافأت مجزية من هذه البنوك، كما اتهم كل من يفرق بين البنوك الاسلامية والبنوك الربوية بانه جاهل
.ويلاحظ في هذا الجانب وجود أراء كثيرة تشكك بمعاملات البنوك الاسلامية، يحسن بي ان اتطرق في مجالهاالى مقالة بعنوان «معاملات البنوك الاسلامية… حشف وسوء كيل «نشرها الكاتب السعودي عبد المجيد بن عبد الرحمن الفايز, في جريدة الافتصادية السعودية بتاريخ 17-11-2008، بين فيها وجود الكثير من الاجحاف في حق العميل لانها تبالغ كثيرا في نسبة العمولة الظاهرة وتقوم بحسابها بطريقة مخالفة لاصول المعاملات المصرفية بتطبيقها الفائدة المركبة بدلا من الفائدة البسيطة، و تبالغ كثيرا ايضا في الضمانات المقدمة من قبل العملاء الافراد برهن رواتبهم الشهرية طيلة مدة العقد، كما ان اشتراطها تقديم ضمانات وكفالات مبالغ فيها إذا كان العميل منشأة تجارية امر بالغ السوء وله تأثير سلبي في أداء وظيفتها الاساسية في تمويل منشأت القطاع الخاص»
ولفت نظري في هذا السياق ما وجهه الدكتور محمد عبد الحليم عمر مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الاسلامي بجامعة الازهر من إنتقادات حادة للبنوك الاسلامية القائمة في مصر نشرتها جريدة الشرق الاوسط بتاريخ 10-04-2007، بين فيها أن «تجربتها لم تخل طوال السنوات الماضية عن وجو د اخطاء واضحة في التنفيذ دون وجود رغبة حقيقية في علاجها» كما اكد في نفس المصدر ان «التوظيف في البنوك الاسلامية تشوبه أخطاء واضحة في التطبيق بحيث تدخل في مجالات واساليب تمويلية لا تختلف في طبيعتها عن انشطة البنوك التجارية التقليدية، مثل أذون الخزانة والسندات المحددة عليها الفائدة مسبقا» . كذلك بين أيضا في ندوة عقدت بجامعة الازهر حول التوريق والتورق، (حسب ما جاء في جريدة القبس الكويتية بتاريخ 12-02-2007) ان التورق المصرفي المنظم «حرام شرعا» وأعتبره أحد ألوان الربا، واكد في هذا السياق ان العديد من البنوك الاسلامية تتعامل به كأحد ألوان التحايل على أحكام الشريعةالاسلامية، والتورق المصرفي مصطلح فقهي يعني «ان يشتري الفرد سلعة بالاجل ثم يبيعها نقدا لغير البائع (البنك) بأقل مما إشتراها به ليحصل بذلك على النقد» .
توقفت طويلا عند شبهة «الاستغلال» التي تلاحق البنوك الاسلامية ويكثر ترديدها، ووجدت مساهمات كثيرة منشورة حولها من اهل التجربة من داخل البنوك الاسلامية نفسها، وفي مزيد من التفصيل تحدث عنها (في موقع المجلس العام للبنوك والمؤسسات الاسلامية) الدكتور محمد نعمان جلال، المشرف على إصدارات الصيرفة الاسلامية في مركز البحرين للدراسات والبحوث، مبينا ان بعض الدراسات الاقتصادية العلمية «ترى» ان البنوك الاسلامية تحصل على نفس سعر الفائدة «المحرم» والمحدد سلفا في معظم الاحيان نظير ما تسميه خدمات وشؤون إدارية، أسوة بحصول البنوك التقليدية على «ربح» او فائدة، مشيرا الى ان ذلك يعني إختلافا في التسمية بينما المضمون واحد، وذكر في الوقت نفسه ان قسما من المدرسة البنكية الاسلامية يعتبر ان تحديد الفائدة سلفا لا يمنع من التعامل مع البنوك، وبالتالي هو ليس ربا او حراما لان الربا الاصلي هو الذي كان سائدا في عصر الجاهلية وبداية نشأة الاسلام، والذي كان يرتكز على إستغلال حاجة الفقير والمحتاج .
ويؤكد الدكتور راشد بن احمد العيلوي استاذ الاقتصاد الاسلامي في جامعة القصيم بالسعودية (كما جاء في موقع المشورة للإستشارات والتدقيق الشرعي)على الخلط الذي تقوم به بعض البنوك الاسلامية بين التعاملات الاسلامية وغيرها من التعاملات بزعم انها اسلامية وهي ليست كذلك (والقول له) كصور من التحايل على الربا وهو ما يعرف عند الفقهاء ب «الحيل الربوية» حيث ان هذه التعاملات بهذه الصورة اقرب ما تكون للادوات البنكية الربوية، وبعيدة كل البعد عن التعاملات الاسلامية التي وضحها الفقهاء منعا لاي لبس أو اختلاط
.وقد أرجع عمر حافظ الخبير السعودي في التعاملات البنكية الاسلامية هذه «الاسلمة الصورية» (كما جاء في نفس موقع المشورة السابق ذكره) للتعاملات في بعض البنوك الاسلامية الى كون الاوضاع القانونية في البلاد التي تعمل بها هذه البنوك غير كاملة الترحيب والتهيئة، مما جعل بعض الفقهاء تحت ضغط هذا الواقع يجيزون كثيرا من التعاملات ذات الشبه الكبير بالتعاملات الربوية الامر الذي ادى الى تضاؤل الفروق بين الخدمات المصرفية الاسلامية وغيرها من الخدمات
من ناحية اخرى إعترف نفس الخبير السعودي بان غالبية المتعاملين مع البنوك الاسلامية لهم قناعة «ان الادوات البنكية الاسلامية شبيهة بالتعاملات البنكية العادية الاخرى في البنوك التقليدية «ومن ثم وجد ان» تقسيم التعاملات البنكية الى اسلامية واخرى غير اسلامية تقسيم لا يؤيده الواقع خصوصا مع إجازة التورق المصرفي المنظم والمرابحات الصورية والصكوك «المفبركة» وغيرها مما يسود العمل البنكي الاسلامي، ولهذا هناك من يشكك في التعاملات البنكية (والقول للخبير نفسه) ويرى انه لا فرق في الحقيقة بين الاقتصاد الاسلامي والاقتصاد الربوي، وانما هي فروق شكلية لا تمس الجوهر» .
وعلى هامش ما نحن بصدده هنا، من الضروري ذكر العلاقة ما بين البنوك الاسلامية وسعر الفائدة العالمي، وقد تطرق الى هذا الجانب الدكتور مقبل صالح احمد الذكير، استاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية، في مقال نشره في جريدة الاقتصادية السعودية (ونقله عنها موقع الاسوق نت بتاريخ 21-10-2006) بين به «ان البنوك الاسلامية مرغمة في الوقت الحاضر ان تنظر لسعر الفائدة السائد في الاسواق العالمية عند تحديد هامش الربح في صيغ التمويل القائمة على البيوع الأجلة» وعبر عن «خشيته ان يثير هذا الامر شك عامة الناس في مدى إسلامية عمل البنوك الاسلامية، وعن خشيته ايضا ان تضطر بعض البنوك الاسلامية إلى «حيل» يكون بعضها غير مقبول شرعا، كأن تُدخل ترتيبا يؤدي الى تغير عائد الاستثمار مع تغير اسعار الفائدة العالمية، بسبب حرصها على عدم الانفصال عن مستويات تلك الفائدة، مثل ان تقوم بربط الاقساط في عقد التأجير المنتهي بالتمليك بمعدل سعر الفائدة المسمى ليبور»
.تظهر هذه التناقضات التي اتيت على ذكرها في البنوك الاسلامية، رغم إعتمادها في عملها على الفقهاء في مجالسها الشرعية، وقد تبين لي اثناء بحثي في هذا الجانب عدم وجود مقاييس معيارية للفتاوى في أعمال البنوك الاسلامية، حيث ان الاحكام الشرعية تقبل إجتهادات مختلفة، مما يؤدي الى إختلافات في الممارسات البنكية والمالية في جميع جوانب صناعة التمويل الاسلامي .
ولعل اهم مثال يمكن ذكره في هذا الشان الفتوى التي بينت ان 85% من الصكوك الاسلامية المصدرة في الخليج غير ملتزمة بالاحكام الشرعية بسبب وجود إتفاقيات إعادة الشراء، وقد أصدرها الشيخ محمد تقي عثماني (رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية)، وصرح بها لوكالة رويترز في شهر نوفمبر 2007، وقد أثارت جدلا كبيرا في الاوساط الاسلامية والمتعاملين مع البنوك والمؤسسات الاسلامية، واعتبر الدكتور محمد نضال الشعار (الامين العام للهيئة السابق ذكرها) بانها ساهمت في هدم السوق، كما وصف الشيخ صاحب الفتوى (كما جاء في صحيفة الاقتصادية الالكترونية بتاريخ 15-11-2008) بأنه «تأمر لإذابة سوق الصكوك الخليجية واغتيالها لمجرد انه تجرأ بالاشارة إلى هياكل الصكوك «غير الاسلامية»، اي المحرمة بلهجة أشد، والتي كانت تتفشى في نسيج صناعة المال الإسلامية» .
إن الاختلاف حول هذه الفتوى يبين بوضوح إمكانية الاختلاف حول الاعمال البنكية الاسلامية بين الفقهاء بحكم إجتهاداتهم، وبالتالي إصدار معايير غير موحدة في تنظيم عمل البنوك الاسلامية، وقد تنبه الى هذا مصرف البحرين المركزي وطالب بتوحيد المعايير البنكية الاسلامية، وتعزيز الشفافية في مجال عمالها ،بما يساعد على تعزيزالادراك العام لحقائق هذه البنوك، ومعرفة همومها وهواجسها في ظل الظرو ف الراهنة
وهذا يستدعي أن تعمل البنوك الاسلامية على حل مشاكل كثيرة في دقائق اعمالها وادواتها و تفاصيلها التطبيقيةوتثبت عمليا بانها مختلقة عن البنوك الربوية ، بدلا من إضفاء هالات من التقدير الزائد على دورها واعتبارها «الحل المنتظر» للإقتصاد العالمي .
الحوار المتمدن