اقتصاد «حلال»!
الحديث عن الاقتصاد الإسلامي كان ضمنيا يجري الحديث عنه بخصوص مؤسسات مالية مصرفية تراعي نظما وقوانين بحسب آراء تطبق مفاهيم الشريعة الإسلامية، وتطور الأمر بالتدريج ليشمل قطاعات أخرى مثل التأمين وصناعة المأكولات والاستثمار، وتكون بالتدريج «عالميا» مفهوم الاقتصاد «المحافظ المسؤول»، وهو اقتصاد معني بتحاشي الاستثمار في مجالات اللهو والعبث غير البريء والاتجار بالبشر بكافة أشكاله، واستغلال الأطفال والعنف والمخدرات والسلاح، واستغلال الحيوانات، وله قواعد وشروط، ولكن يبدو أن الاقتصاد الإسلامي هو العنصر الأكثر نموا في ذلك، وإن كان الاقتصاد الإسلامي بحجمه يشكل فقط سدس حجم الاقتصاد «المحافظ المسؤول» عالميا، ولكنه كما سبق أن ذكرت هو الأكثر والأسرع نموا.. فاليوم هناك خدمات ومنتجات وصناعات «فريدة ومختلفة» دخلت إلى سوق الاقتصاد الإسلامي، منها ما هو غريب ومنها ما هو مدهش، فمثلا هناك طلاء أظافر يصنع الآن في أوروبا يتم تسويقه على أنه «إسلامي» لأن الماء يصل للأظافر تحت الطلاء وبالتالي يصلح للوضوء، وهناك محلات لـ«الزوجية» تبيع كل ما يذكي العلاقة العاطفية بين الزوجين، ويصر صاحب الخدمة الذي لديه محل تجزئة ويبيع منتجاته على شبكة الإنترنت على أنه ليس بمحل إباحي، ولكن الأسر الملتزمة المسلمة تحتاج أيضا لهذه المنتجات.
وهناك شركات تنظم رحلات سياحية إلى دول محافظة وفي فنادق بلا خمور ولا نواد ليلية ولا مراقص ولا صالات قمار، وحمامات سباحة منفصلة بين الجنسين، ومطاعم تقدم وجبات حلالا ومذبوحة حسب الشريعة الإسلامية، وتقدم أيضا فيلات سكنية للإيجار بأسوار مرتفعة ومعزولة، وهناك شركات تقدم نفس الخدمات ولكن بتشدد أعلى وشروط أعقد، مثل رحلات وإجازات بلا موسيقى أيضا، ويسمون كل ذلك إجازات بقيم وفضيلة.
وطبعا هناك صناعة الأطعمة والمشروبات «الحلال»، وهي صناعة ضخمة جدا وانتشرت في كل قارات العالم لتشمل اللحوم والطيور والدهون والخضراوات والفاكهة والمشروبات، وطورت العديد من المنتجات التي عرفت في العوالم التجارية إلى عوالم الحلال، وخصوصا في عوالم المشروبات، من مشروب الشعير الذي ينمو بنسبة 14 في المائة سنويا، وهو رقم فلكي في هذه الفئة المهمة، وهناك عصائر العنب الخالي من الكحول (كبديل شرعي للنبيذ)، وهناك مصنع في اسكوتلندا أنتج مشروب «ويسكي» من البصل على أساس أنه خال من الكحول ويتم تسويقه للسوق الكبيرة في العالم الإسلامي.
البحرين وماليزيا وتركيا ودبي، أهم اللاعبين المؤثرين في هذه السوق المتنامية والمهمة. البحرين كانت هي المحطة الأولى والأهم للبنوك الإسلامية والمؤسسات المالية التابعة لها، فأصبحت أهم جهة تشرع وتقنن لذلك الأمر. تركيا حذت حذوها من دون إكمال للمهمة. ماليزيا أنشأت سوقا تابعة مكملة لدعم السوق الإسلامية الأولى، وذلك لأجل إصدار سندات داعمة، وكانت أول دولة تدعم من خلال البنك المركزي الاتجاه الإسلامي المالي، كما أنشأت ماليزيا جهات مهمة لتشريع سياسات المراقبة والجودة والمعايير والمواصفات لما يتم إطلاق منتج «حلال» عليه، وبذلك تصبح ماليزيا هي المرجعية العالمية لمفهوم «حلال» في الصناعات والخدمات.
أخيرا دخلت دبي بقوة على الخط لتكون هدفا استراتيجيا بأن تصبح «عاصمة الاقتصاد الإسلامي في العالم بأسره»، ولذلك تقيم دبي أهم المؤتمرات والمعارض في هذا المجال وتدعم حملات توعية وشعارات لأجل تكريس الصورة الذهنية للمفهوم الاقتصادي المتنامي. انتقل مفهوم الاقتصاد الإسلامي من مرحلة الشك إلى مرحلة الوجود الحقيقي، وبات جزءا من الاقتصاد المسؤول تتبعه مصالح وعوائد بالمليارات من الدولارات، وحكومات الشرق والغرب تعي ذلك وتسعى لأن تكون جزءا منه، ومنهم من أدرك الفرصة ومنهم من أنكر وفاته القطار. منتجات تحمل شعار «حلال» موجودة في «ماكدونالدز» و«وول مارت» و«ماركس آند سبسنر» وشركة «نستله»، وغيرها من الشركات الكبرى، تثبت أن المسألة أصبحت واقعا مهما.
الشرق الأوسط