هل يصدر البنك المركزي قانونا للبنوك الإسلامية؟
راج مؤخرا أن محافظ البنك المركزي الموريتاني عبد العزيز ولد الداهي كلف لجنة فنية برئاسة وزير العدل السابق باها ولد أحميده مستشار المحافظ بإعداد قانون مالي للبنوك الاسلامية وتقديم مقترحات علمية بشأن تعديل الأمر القانوني رقم 004/2007 القاضي بتحديد النظام الأساسي للبنك المركزي الموريتاني والذي يحدد وظائف البنك من بين أمور أخرى في:
– تحديد وتنفيذ السياسة النقدية للدولة
– اصدار وتأمين العملة الائتمانية للجمهورية الاسلامية الموريتانية
– تنفيذ سياسة الصرف وتسيير احتياطاته
– رقابة وتقنين المصارف وغيرها من المؤسسات المالية
– دعم استقرار وأمن وفعالية نظام الدفع الموريتاني
ونصت المادة 42 من نظام البنك المركزي على أنه بإمكان البنك إجراء عمليات قرض مع المصارف والمؤسسات المالية وغيرها من الهيئات المالية على أساس الضمانات “المناسبة للقروض”.
وأوكل النظام الأساسي للبنك مهمة الترخيص للبنوك والمؤسسات المالية وفق النظم والقوانين المعمول بها ، وقد رخص بالفعل لحوالي 19 مصرفا وعدد من المؤسسات المالية الأخرى الصغرى والمتوسطة.
ومن بين البنوك التي رخص لها بنوك اسلامية رخص لها البنك في طفرة التراخيص دون أن تكون لديه آلية اسلامية لإعادة التمويل أو للرقابة وذلك بغياب تام لقانون خاص بالمصارف الاسلامية ، ولم يكلف البنك نفسه عناء تصويب أو تعديل أو إعادة تأويل النص المعمول به بما يواكب المتغيرات الاقتصادية الوطنية والدولية ، وظل يعامل البنوك الاسلامية بوتيرة التعامل مع البنوك التقليدية ، وحالة موريس بنك نهاية السنة الماضية دليل على آن آلية الرقابة لم تكن فعالة وعلى ان آلية إعادة التمويل لم تكن متوفرة.
خط اعتماد FADES: القشة التي كادت تقصم ظهر البعير
تعكس مجريات التعامل مع خط الاعتماد الذي منحه الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي البالغ 50 مليون دولار أمريكي موجهة من خلال البنك المركزي لتمويل مشاريع الانتاج الزراعي والرعوي والخدمي خارج أنواكشوط بفائدة مخفضة غياب الآلية الاسلامية في المعاملات المالية ، فالبنك المكزي فتح مناقصة للبنوك لتقديم ملفات لتمويل مشاريع في حدود 100 إلي 200 مليون أوقية للمشروع بفائدة بسيطة في حدود 5% ولمدة سداد مدتها 7 سنوات منها 3 سنوات اعفاء ، لكن الاشكالية أن طريقة التمويل التي طرحها البنك كانت طريقة كلاسيكية قائمة على التعامل النقدي المباشر وبزيادة الفوائد المحددة.
والغريب أن بنوكا “اسلامية” محلية تكيفت مع متطلبات المناقصة التقليدية إلا واحدا هو بنك المعاملات الصحيحة الاسلامي الذي حقق رغم عمره القصير نتائج مالية مهمة وبدأ يسهم في ضخ تمويلات ميسرة في قطاعات التجارة والصحة والخدمات والذي قدم ملفات تمويل محكمة لكنه اقترح على ما يبدو على البنك المركزي إيجاد صيغة اسلامية تضمن صحة المعاملة كأن يكون القرض على شكل مرابحة معكوسة قائمة على شراء بضاعة لزبون بدل دفع الفلوس بمقابل الذي لا يتماشي مع مقتضيات المعاملات الاسلامية الصحيحة ، واصطدمت هذه الأفكار بتأويلات من قبيل أن القانون يمنع على البنك المركزي أن يمارس عمليات تجارية ، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن طبيعة العملية برمتها وعن فحوى الفقرة 2 من المادة 42 من نظام البنك المركزي التي تنص على أنه يحق للبنك المركزي (إجراء عمليات قرض مع المصارف والمؤسسات المالية وغيرها من الهيئات المالية على أساس الضمانات المناسبة للقروض).
ألا تعني “المناسبة” أن تكون الشروط مناسبة للطرفين؟
ألا يمكن تأويل وأسلمة قانون البنك المركزي ذي المرجعية الاسلامية كسائر قوانين الجمهورية الاسلامية الموريتانية لتجاوز هذه الاشكالات البسيطة؟
أليس الهدف أن يصل كل طرف إلي غاياته في نهاية المطاف؟
ألا تبرر الغاية إذا كانت اسلامية تجاوز الوسيلة إذا كانت ربوية؟
الحل .. قانون اسلامي موريتاني للبنوك الاسلامية
قد يكون محافظ البنك المركزي عبد العزيز ولد الداهي بتشكيله للجنة صياغة هذا القانون قد بدأ مسار الحلول الناجعة لإشكالات ما كان لها أن تكون لولا جمود بعض النصوص وتحجر بعض العقليات المصرفية التقليدية التي يقبع أصحابها خلف متاريس من المفاهيم المحنطة التي تجاوزتها الأحداث.
فما منطق أن يرخص البنك المركزي لبنوك إسلامية لا يستطيع مراقبتها ولا يستطيع إعادة تمويلها؟
ما معني الرقابة المصرفية إذا كانت معظم البنوك تحولت إلي مؤسسات مشخصنة يمول أصحابها من خلالها مقاولاتهم الخاصة وقلما يمولون الفاعلين الآخرين ، وكثيرا ما وأدوا مبادراتهم في المهد لاختلال أسس التنافس؟
ألا تتطلب مهنة المصرفي ومسؤوليته ان يكون على نفس المسافة من كل الفاعلين الاقتصاديين والتجاريين؟
هل يعقل أن تتحول مناقصات ضخ العملات الصعبة لتثبيت سوق العملات الوطني أن تتحول إلي جيوب وحسابات أصحاب المصارف الخاصة وأن لا يعرف أحد مصيرها في اليوم الموالي لضخها؟
ألا يدرك البنك المركزي الموريتاني حقيقة ما يجري وراء أكمات معظم البنوك الخصوصية؟
لما ذا لا تدقق الرقابة في اسلامية البنوك؟
أليس الإسلام أعظم وأنصع من أن يتحول إلي نعت غير تابع للمنعوت؟
ألا توجد بنوك اسلامية حقيقية جادة وذات مصداقية وبنوك أخرى تقليدية تفتح نوافذ اسلامية لجذب بعض الزبائن؟
كيف يقيم البنك المركزي المطالب بالرقابة مدى اسلامية المعاملات إذا كان لا يتوفر على أية معدات قانونية متخصصة؟
في الحقيقة يتعين على المحافظ الذي أبان عن قدر من الشجاعة ومن روح المبادرة أن يعمل على تقييم الموجود واستشراف الموعود فالبنوك الاسلامية الحقيقية تختلف عن بنوك النوافذ الاسلامية وهي أي البنوك الاسلامية بنوك الحاضر والمستقبل ومنبت المعاملات المصرفية السليمة لكنها بحاجة إلى:
– إطار قانوني ومؤسسي واضح المعالم
– نظام جبائي مناسب
– نظام محاسبي ناجع
– آليات لإعادة التمويل
– نظام رقابي ملائم يرتكز على الشريعة الاسلامية
– نظام تحصيلي فعال
إن صياغة قانون إسلامي للبنوك أمر في غاية الحيوية للإقتصاد الوطني فمن شأنه داخليا أن يميز الصالح من الطالح ومن شأنه أن يحفز الاستثمارات الخارجية ويضخ أموالا مؤمنة في شرايين الاقتصاد الوطني ، لكن أمرا كهذا يتطلب تعميق التشاور وتزاحم العقول ووضوح الرؤى وكلها أمور في المتناول.
في انتظار أن يصدر قانون البنوك الاسلامية الموريتاني المنتظر يمكن سد الفراغ مؤقتا بتسهيلات انتقالية داخلية وخارجية تُمنح لكل البنوك ذات الصيغ الاسلامية لكي تؤكد داخليا منحاها الاسلامي بإجراءات ملموسة وقد تكون مؤلمة وخارجيا من خلال منحها آفاقا أرحب للإستفادة من مجريات الأسواق المالية الوطنية والدولية ، ولا يكفي أن تكون ثمرة نافذة أو خدمة اسلامية بل يتطلب الأمر أن تكون الشجرة التي أنبتت الثمرة طيبة وإسلامية مؤصلة ، ودور البنك المركزي التشريعي والرقابي والمهني والاجرائي في التحول الموعود جوهري وحاسم.
وكالة أنباء الأخبار المستقلة