قروض البنوك الإسلامية في الميزان
بداية لا بد من الإشارة إلى أن القروض عموما والشخصية بشكل خاص في البنوك تعتبر عنصرا رئيسا وعاملا مهما وحيويا في علاقة البنك بالزبون، واستمرت العلاقة بين البنوك والزبائن منذ بدايات عملها دون التقليل من أهمية تلبية مختلف احتياجات الزبون ومن بينها بالتأكيد القروض الشخصية التي يتمكن الزبون من الحصول على مبالغ مالية لأغراض شتى من البنوك ضمن حزمة من الشروط يتفق عليها بين الطرفين لدرجة أنها تحولت إلى قانون واضح في البنوك، لكنها ما زالت غير واردة في البنوك الإسلامية، حيث يبرز سؤال رئيس في هذا الصدد يتعلق بحقيقة مفهومي الحلال والحرام. ودوما يبرز السؤال لدى المقترض: هل هو حلال أم حرام، كيف ولماذا؟. وهل قروض البنك الإسلامي حرام أم حلال؟، بمعنى عندما يقوم البنك بدفع ثمن الشيء بدلا من المشتري، ثم يقوم البنك ببيع الشيء للمشتري في نفس الوقت بمبلغ أكبر يسدده المشتري على مدة زمنية.
ومن المعروف أن الرد الأولي هو أن القرض بفائدة ربا صريح وهو محرم، والبنك الإسلامي لا يقرض، بل يقوم بالمرابحة الشرعية، وهي شراء السلعة وتملكها ثم بيعها على الزبون بفائدة، فإذا حصل هذا من البنك فاشترى السلعة وملكها ثم باعها على الزبون بفائدة عن طريق الأقساط فهذه مرابحة شرعية صحيحة فيما يعتقد جمهور كبير من الباحثين والمختصين. وغالبا ما يطرح الزبون فكرة تقول: أريد أن أعرف الفرق بين قروض البنك الإسلامي والبنوك العادية، في إشارة إلى نوع من التشكيك بأن قروض البنك الإسلامي حلال، على اعتبار أن البنك الإسلامي يأخذ نسبة من عملاء القروض، حتى لو هذه النسبة أقل من البنوك العادية.
ويؤكد أغلبية القائمين على البنوك الإسلامية أنها لا تتعامل أصلا في القروض أخذا أو إعطاءا، فموارد البنك الإسلامي تأتي أساسا من قبل عملائه المودعين وفقا لصيغة عقد المضاربة الشرعي حيث إن المودعين يمثلون أرباب المال، والبنك عامل في المال او مضارب فيه، ويتفق الطرفان على توزيع نسبي للعائد إذا تحقق، وإذا وقعت خسارة تقع بالكامل على المودعين. وبالمقابل هناك من يعتقد أن مسألة القروض في البنوك الإسلامية وخصوصا ما يتعلق منها بموضوع الفائدة ليست إلا تحايلا على الحقيقة وعملية البيع والشراء التي يقوم بها البنك الإسلامي عملية شكلية بلا مضمون حقيقي ولا يعكس الحقيقة المرتبطة بالفقه والتشريع الإسلامي. ولا تخرج عن كونها تغييرات شكلية. لأن عملية البيع والشراء ليست اختيارية، أي أن البنك لا يقوم بشراء سيارات مثلا من تلقاء نفسه ثم يبيعها بسعر أغلى، بل يأتي إليه الشخص الراغب بالشراء ويطلب من البنك شراءها له ثم يقوم البنك بعمل عقد بين البنك والشخص حتى قبل قيام البنك بالشراء، ثم يشتري البنك السيارة. ويشير البعض إلى أن هذه المسألة لا تخلو من غموض ما لعدة أسباب يبرز منها مثلا أنه بعد أن يشتري البنك السيارة تكون عملية بيعها للشخص المقترض إجبارية أي أن الشخص لا يملك حرية التراجع عن الشراء بعد أن يشتريها البنك، لكن من الملاحظ أنه في البيع العادي يملك الشخص حرية تغيير رأيه بعد أن يشتري التاجر البضاعة، لكن البنك يبيع السيارة للشخص قبل شرائها من الطرف الآخر، أي أن البنك لا يملكها أصلا فكيف يبيع البنك شيئا محددا لا يملكه.
إنتشار واسع
أصبح واضحا أن البنوك الإسلامية تشهد سرعة في الإنتشار وتحقق باستمرار مستويات متقدمة من النجاح، بحيث عمدت كثير من البنوك التقليدية بما فيها البنوك الأجنبية باعتماد برامج تمويل إسلامية، على الرغم من مختلف الملاحظات والانتقادات التي تتعرض لها البنوك الإسلامية من أكثر من جهة أو زبون. لكن ما زالت فكرة القروض الشخصية غير واردة في برامج البنوك الإسلامية وعملياتها التمويلية، اعتمادا على أن القروض الشخصية ذات الطابع المالي والنقدي تدخل في باب الربا، وفي التشريع الإسلامي لا مجال للربا، فهو من أشد المحرمات وقد حرّمه الله تعالى، وأعلن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، الحرب على مرتكبه وشدد على ذلك فقال: إن درهم واحد من الربا عند الله أشد عند الله من كذا و كذا زنية. ولهذا فاحذر من الوقع في هذا المحرم إلا أن تكون مضطرا لذلك بالشروط الشرعية للاضطرار. وعلى العموم يمكن الإشارة إلى ثلاثة أنواع من المصارف التي تحمل اسم الإسلام، هي: الأولى: مصارف إسلامية خالصة تقوم على الإشراف عليها لجنة من العلماء تضبط معاملاتها وهم علماء من أهل الثقة والفضل فهذه لا حرج من التعامل معها بل ودعمها أشد الدعم لتشجيع هذا الدعم في معاملات البنوك. والثانية: مصارف ربوية في بلاد المسلمين افتتحت فروعا إسلامية يشرف عليها أهل العلم من المسلمين ولها حساباتها المنفصلة عن الفرع الربوي فهذه وإن لم نطلع على لائحتها لنتحقق من صحة ممارستها إلا أننا نثق في المسلمين القائمين عليها والعلماء المشرفين على أعمالها فإننا نتعامل معها ونوكل ما خفى عن أعيننا إلى الله ثم إلي ثقتنا وتصديقنا للمسلمين القائمين عليها إلا أن يثبت لنا غير ذلك. والثالثة: مصارف ربوية أجنبية افتتحت فروعا إسلامية فما لم تكن هناك ضرورة فإننا إن لم نطلع على أعمالها لنتحقق من صدق قولهم أو يطلع أهل العلم على ذلك بالإشراف على تلك المعاملات فإن التعامل معهم يكون على أقل أحواله فيه شبهة تمنع أهل الدين من المسلمين أن يتعاملوا معها في غير حال الضرورة.
القروض الشخصية الإسلامية
هل حصلت يوما على قرض إسلامي؟ هذا سؤال حاضر باستمرار في ذهن الزبون، وقد يستغرب البعض من وصف قرض ما بأنه إسلامي؛ لأن المستقر في الأذهان أن القروض تكون بفوائد ربوية محرمة شرعا، ولكن مع زيادة الفوائض المالية لدى البنوك الإسلامية خصوصا في دول الخليج، ومع تهافت الأفراد للاقتراض، سواء لسبب وجيه أم بدونه، استحدثت تلك البنوك صيغا جديدة للتمويل الشخصي، منها ما هو محل اتفاق عام مثل المرابحات والمشاركات والإجارة والاستصناع، ومنها ما هو محل خلاف فقهي مثل التورق المنظم الذي يعني في النهاية توفير مال سائل لشخص يحتاجه عن طريق مبايعات يصفها البعض بأنها شرعية ويصفها آخرون بأنها صورية، فيقول البعض إنها تحايل يشبه الربا، ويقول آخرون إنها تحايل للفكاك من الربا. ومع اختلاف المواقف الفقهية تجاه التورق المصرفي المنظم للأفراد فقد رفضت العديد من المصارف الإسلامية هذه الفكرة؛ باعتبارها نوعا من الربا، فيما أقرتها وعملت بها بنوك إسلامية أخرى. ويسعى الكثير من العملاء للتورق، بمعنى الحصول على هذه القروض الإسلامية نأيا بأنفسهم عن المعاملات الربوية، وهم يحتاجون في الغالب لهذه القروض لتمويل احتياجات خاصة يعجزون عن تمويلها بالطرق الإسلامية الأخرى مثل المرابحة والمشاركة والإجارة والاستصناع، كما يلجأ البعض إلى هذه الصيغة للتخلص من ديون ربوية لمصارف تقليدية؛ حيث تعتمد بعض البنوك الإسلامية فكرة شراء هذه الديون، وإعادة جدولتها على المستدين وفق صيغة يرون أنها شرعية.
تحايل شرعي
وفقا لما يقوله الدكتور معبد الجارحي، الخبير المصرفي، فأن التورق بشكله الحالي محرّم بقرار مجمع الفقه الإسلامي، الذي يعد المرجعية العليا في هذا الإطار، لكن بعض البنوك “تتحايل” بصيغ جديدة مثل المرابحة المعاكسة، ما يعتبر محاولة لإفراغ التمويل الإسلامي من مضمونه، مشيرا إلى أن العميل إذا ذهب للبنك الإسلامي وطلب مبلغ 20مليون درهم مثلا، ووافق البنك على منحه المبلغ على أن يسترد آجلا 22مليون درهم، فهذا ربا واضح. واعتبر الجارحي أن هناك بدائل إسلامية عديدة للتمويل الشخصي مثل إجارة الخدمات؛ حيث يتفق البنك مع مقدمي بعض الخدمات الصحية أو التعليمية والسفر وحتى حفلات الزواج، ويقوم البنك بشراء هذه الخدمات من مقدميها بسعر حال ويبيعها للزبائن بسعر آجل، ما يعني أننا لا نضع نقداً في يد العميل. وأشار إلى أن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية في البحرين أصدرت مؤخرا معيارا يجيز التورق الأمر الذي سيعيد مناقشة الموضوع؛ لأن القرار لم يكن يمثل غالبية آراء أعضاء الهيئة.
بنوك تبيع ما لا تملك
وبدوره يشير الدكتور لاحم الناصر، المتخصص في المصرفية الإسلامية، إلى أن أصل التورق لا خلاف عليه، ولكن الخلاف على التورق المنظم حاليا في البنوك؛ حيث إن البنك ينظم العملية منذ بداية دخول العميل البنك إلى أن يحصل على المال، وكل ذلك يحدث داخل مقر البنك، ولا يرى العميل السلعة ولا يبيعها ولا يشتريها، بل ينتظر فقط حتى يتم تحويل المبلغ إلى حسابه، ولذلك فإن الكثير من العملاء يذهبون إلى البنوك طالبين قروضا بشكل مباشر، ويسألون عن طرق السداد المبكر، والمشكلة الأكبر أن البنك حين يرتب هذه العملية يرتبها على أنها قرض، فالتاجر الذي يشتري السلعة من موردها يقدم في الوقت نفسه على تاجر آخر استحقاق 3 أيام، ثم يبيعها بعد ذلك للعملاء، وهذا التحوط غير شرعي؛ لأن البنك يبيع لعملائه ما لا يملك، والسلعة نفسها لا تخرج من مخازنها، مشيرا إلى أن البنك يفرق بين عميل المرابحة وعميل التورق، ففي حال التورق يطلب البنك من العميل توقيع اتفاق القرض وتوكيل بالشراء حتى يضمن البنك أن العميل لن يطلب السلعة فعلا، حتى يتجنب انخفاض أو ارتفاع السعر. وقد وجدت بعض البنوك الإسلامية في استمرار الخلاف الفقهي حول التورق متسعا لتقديم هذه المعاملات والتوسع فيها، فيما رأى آخرون إجراء تعديلات على شكل المعاملات لتصبح أكثر توافقاً مع الشريعة.
منتج خاص للتمويل الشخصي
أطلق مصرف دبي الذي تحول من بنك تقليدي إلى بنك إسلامي منتجا خاصا يعتمد على التورق، وهي خدمة سند للتمويل الشخصي، واعتبر المدير المالي للبنك أحمد الشال أن محفظة التمويلات في البنك التي تتنوع بين تمويلات الأفراد والشركات ارتفعت بصورة كبيرة في العام الماضي حيث بلغت 8مليارات درهم. مشيرا إلى أنها تتوزع بين منتجات متنوعة مثل ملكي للتمويل العقاري، ومركبتي لتمويل السيارات، وسند للتمويل الشخصي، إضافة إلى بطاقات الائتمان المغطاة. فحينما يطلب العميل تمويلا، فإننا نبحث الشكل الأمثل بالنسبة له، سواء عن طريق الإجارة أم المرابحة أم الاستصناع، وإذا تعذرت كل تلك البدائل نلجأ للتمويل الشخصي “سند”، الذي يمثل جزءا بسيطً من مجمل التمويلات. الأمر الذي ينظر إليه كثيرون على أنه خطوة جديدة في طريق تطور البنوك الإسلامية المستمر ومؤشراً على قدرة البنوك الإسلامية على تحقيق مستويات جديدة من النجاح في ظل المتغيرات الحاصلة في عالم الصيرفة، ومقدرته على تلبية مختلف متطلبات الزبائن في عالم متغير باستمرار، على الرغم من كل الانتقادات والملاحظات التي لا تنفي مقدرة عالم الصيرفة الإسلامية على توفير حزمة متنوعة من الحلول المناسبة للزبائن.
الرياض.
إقرأ أيضا…
■ تعريف البنك الإسلامي.
■ القرض الحسن.
■ البنوك الإسلامية في المغرب العربي: بين الواقع و التحديات.
■ الفرق بين البنوك الإسلامية و البنوك التقليدية.
السلام عليكم ورحمة الله
انا شاب مدرس مسكين أريد شراء دراجة نارية وعندى امكانية فأريد منكم 600000 فرنك سيفا قرضا
ولوجه الله