خدمة تأجير صناديق الأمانات
تعتبر خدمة تأجير صناديق الأمانات من الخدمات التكميلية التي تقوم بها البنوك الاسلامية من خلال وضع خزائن تحت تصرف العملاء و الزبائن لحفظ أماناتهم النقدية و وثائقهم الشخصية و مستنداتهم التجارية, أو بعض المقتنيات العينية كالمجوهرات و غيرها, ضمانا لسلامتها و عدم سرقتها.
و لا تنظرالبنوك عموما إلى هذه الخدمة كمورد إقتصادي استثماري, بقدر ما تعتبرها وسيلة لإجتذاب العملاء, و كسب ثقتهم و تعريفهم على أنشطة البنك و حسن تعامله.
و تطلق هذه الخدمة على العقد الذي يلتزم بموجبه البنك بأن يضع في العقار الذي يشغله خزانة حديدية تحت تصرف العميل. و في تعريف آخر هو عقد يلتزم بمقتضاه البنك بوضع خزانة معينة تحت تصرف عميله المستأجر, و تمكينه من الإنتفاع بها لمدة معينة لقاء أجرة معلومة قت تختلف باختلاف حجم الخزانة و مدة الإنتفاع بها .
و يختلف هذا العقد عن عقود إيداع النقود أو إيداع الأوراق التجارية و المالية, ففي حالات الإيداع العامة للنقود أو الأوراق المالية, فإن البنك يقوم بتصرفات مباشرة لحساب العميل, أما في حالة صندوق الأمانة فلا يحق للبنك التدخل و التصرف سوى تقديم هذه الخدمة لعميله, بحيث يمَكنه من الدخول الى قاعة الخزائن و يساعده على فتح الصندوق من خلال المفتاح الموجود لديه .
تقوم خدمة صناديق الأمانات على تخصيص البنك قاعة معدة خصيصا من الناحية الأمنية و الفنية, وتجهيزها بعدد من الخزائن على شكل صناديق مرقمة. و لكل صندوق مفتاحان مختلفان يعملان معا, بحيث يحتفظ البنك بالمفتاح الاول الذي غالبا ما يكون مشتركا لكل الصناديق الموجودة و يسمى master key, بينما يسلم المفتاح الآخر للعميل. هذا الاخير يكون له حق طلب تمكينه من ولوج مكان وجود الصندوق الخاص به, بحيث لا يسمح بدخول إلا أصحاب الخزائن وحدهم و باتباع إجراءات الأمن التي يضعها البنك.
و لا يجوز هنا للبنك استعمال المفتاح الذي معه إلا في حالات الضرورة القصوى, كما لا يجوز له تسليم نسخة من مفتاحه لأي شخص أخر غير العميل, كما لا يجوز له أيضا أن يأذن بالدخول الى قاعة الخزائن إلا للعميل أو وكيله المفوض بذلك بعد التحقق من شخصيته . و للبنك ان يستعمل ما يشاء من أنظمة التحكم الآلي لفتح الخزائن او غلقها, أو أي وسيلة أخرى للحفاظ على محتويات صناديق الأمانة.
و البنك في تقديمه خدمة تأجير الصناديق الحديدية, و العميل في قبوله لهذه الخدمة, إنما يتعاقدان على أن يقدم البنك هذه المنفعة مقابل أجر يدفعه العميل, و تكون مدة العقد عادة سنة واحدة قابلة للتجديد. كما يعطي البنك للعميل مفتاح الخزانة ليكون في حيازته و هذا دليل كاف على إنعقاد العقد.
و لا يختلف العمل بهذه الخدمة في البنوك الاسلامية عن غيرها من المصارف الاخرى, و ذلك فيما يتعلق بمهمة الحفظ في هذه الصناديق و أخذ الأجر على ذلك .
و بالنسبة لما يعود الى البنك الاسلامي من جراء هذه العملية, فإنه لا يعود إليه منها غالبا فائدة مادية, سوى كونها عاملا من عوامل إجتذاب العملاء. و إذا كانت البنوك تأخذ اجرة على تأجيرها هذه الصناديق, فإن هذه الأجرة في الغالب لا تتناسب مع تكاليف إنشاء هذه الخزائن و لا مع ما يتقاضاه المسؤولون عن حفظها و إدارتها, غير ان التوسع في هذه الخدمة يحقق للبنك دخلا مقبولا .
أما العميل فإن هذه العملية تعود عليه بمنافع عدة أهمها ضمان سلامة و حفظ الأشياء التي أودعها في الخزانة الحديدية, و ضمان سريتها بحكم أن مفتاحها بيده وحده, و لا يمكن أن يتعدى عليها أحد لمحافظة البنك عليها .
و يترتب عن هذه العملية آثار تتضح في الإلتزامات المتبادلة بين طرفيه :
1- بالنسبة للبنك فهو ملزم في هذه العملية بأمور أبرزها :
- محافظة البنك على الخزانة المحددة للعميل بحالة جيدة, بحيث تضمن سلامة المحتويات و يستطيع العميل الإنتفاع بها .
- تمكين المستاجر من الإنتفاع بهذه الخزانة حسب الشروط المتفق عليها في العقد .
- التحقق من شخصية المستاجر قبل السماح له باستعمال الخزانة .
- احتفاظه بمفتاح آخر للخزانة. يستعمله عند الضرورة كإنقاذ الخزانة من الحريق مثلا .
- الحراسة و الحماية من كا ما قد يؤدي الى هلاك محتويات الخزانة أو تلفها. و يعد البنك مسؤولا عن الهلاك أو التلف إلا إذا أثبت ان الأمر كان بسبب خارج عن إرادته و ليس التعدي و التقصير .
- إتخاذ الإجراءات و الإحتياطات اللازمة لضمان سرية انتفاع العميل بالخزنة .
2- بالنسبة للعميل فإن هذه العملية تُلزمه تجاه البنك بأمور من اهمها ما يلي :
- دفع الأجرة المتفق عليها مقابل تاجير الخزانة و فقا للعقد المبرم بين البنك و العميل .
- الإحتفاظ بمفتاح الخزانة و رده بعد إنتهاء مدة العقد .
- إبلاغ البنك بفقدان مفتاح الخزانة في حالة فقدانه له في أسرع وقت ممكن حتى يتمكن البنك من إتخاذ الإجراءات اللازمة.
- احترام شروط العقد عند إستعمال الخزانة, و الإلتزام بتعليمات البنك من حيث مراعاة المواعيد المحددة لدخول البنك و غرفة الخزائن و إثبات شخصيته عند دخول القاعة.
- مراعاة العميل عدم وضع محتويات غير مناسبة أو خطرة داخل الخزنة و إلا كان مسؤولا عن ذلك .
و يتميز عقد تأجير الخزائن الحديدية عن سائر العقود المصرفية الاخرى بعدة خصائص نذكر منها :
– أنه عقد ذو طابع شخصي: إذ يحرص البنك على إختيار عملائه, فيتجنب أولئك الذين قد تنجم أضرار عم دخولهم الى البنك عموما, و الى قاعة الخزائن خاصة, سواء أكانت تلك الاضرار تلحق بالبنك أو بقية العملاء, لذا فإن البنك يتحقق من شخصية المتعاقد معه, كما انه يمتنع عن التعاقد مع الذين ليس لهم محل إقامة دائمة معروفة أو تحوم حولهم الشبهات .
– أنه عقد رضائي من الجانبين: و هو من العقود الملزمة بعد الإتفاق و التوقيع. لكن القول بأن العقد رضائي كلام نظري, فالبنك ينظر الى هذه الخدمة بطابع شخصي, فلكي يحافظ على مكانته و حرصا أيضا على عملائه, فتراه هو الذي يتولى وضع شروط العقد و بنوده, و ما على العميل إلا القبول . فالعقد في ظاهره رضائي و في مضمونه عقد إذعان .
و يترتب على هذه الخصائص آثار لابد من وجودها :
- أن يكون المتعاقد أهلا لإجراء العقد .
- ألا يشوب إرادته عيب من عيوب الرضا .
- أن يكون السبب و محل العقد مشروعين .
من خلال الوصف العملي لهذه الخدمة, يمكن القول بأن هذه الخجمة هي تقديم منفعة مقابل عوض, و هو ما يعرف في الفقه الإسلامي بالإجارة, مع الإشارة الى أن هذه الخدمة إجارة من نوع خاص, حيث تبقى العين المؤجرة تحت إشراف المُؤجر و حمايته و حراسته, و ليس للمستأجر سوى الإنتفاع بالخزانة الموجودة لدى البنك {المؤجر} .
فالتكييف الشرعي لهذه الخدمة مندرج تحت أحكام الإجارة بوجه عام . و من خلال إستعراض فوائد و منافع هذه الخدمة, يمكن التأكيد على حكمة مشروعية الإجارة عموما, فقد أجاز الفقهاء إجارة كل ما تحصل منه منفعة متقومة و معتبرة, و على هذا فاستئجار العميل لمثل هذه الخزائن لا غبار عليه من الناحية الشرعية, كما أن ممارسة البنك الاسلامي لهذه العملية هو أمر جائز أيضا لأن المنفعة الناتجة عنه منفعة مقصودة و متقومة .
تتجلى أهمية هذه الخدمة على الصعيد الشرعي, فهي إحدى بدائل إيداع الاموال في البنوك مقابل الفوئد الربوية . فمن الواجب على البنوك الاسلامية العمل على تشجيع هذه الخدمة لإستقطاب اكبر عدد من المسلمين الذين يُحجمون عن التعامل مع البنوك بدافع إجتناب شبهة الحرام .