الصناديق الاستثمارية الأخلاقية منتج إسلامي
لا شك ان الصناديق الاستثمارية الاخلاقية احدثت نمطا جديدا وتطورا كبيرا في عالم الاستثمارات ومصادر تمويله التي تنظر بجدية الى الاعتبارات المتعلقة بحماية البيئة والمساهمة في مشاريع التنمية المستدامة، لكنها ما تزال بحاجة الى جهد اكبر لتعميم هذا المفهوم والتوسع بهذه الصناديق، خاصة بعد ان جعلت العولمة من العالم قرية صغيرة متقاربة الاطراف، وما رافق ذلك من تشابك في العلاقات الاقتصادية بين الامم والشعوب، ولا نستبعد كذلك من العوامل التي ادت الى الاهتمام بها التغيًرات المناخية التي كانت لها انعكاسات واضحة على العديد من القطاعات الاقتصادية من حيث تأثر حجم الانتاج او بروز العديد من الشركات التي اختارت الاستثمار في مواجهة هذه التغيرات وما رافق ذلك من مراكز ابحاث ودراسات متخصصة في هذا المجال.
ظهور هذه الصناديق واستثماراتها الاخلاقية كان في بدايات القرن العشرين في بعض البلدان الانجلوساكسونية وبدوافع دينية.
وتعتبر بريطانيا وفرنسا وبلجيكا ثم السويد، من أكثر البلدان اهتماما بهذه الصناديق، اما في عالمنا اليوم فقد بدا الاهتمام بهذا النمط من الاستثمارات بعد الازمة المالية العالمية وما لحق بالاقتصاد العالمي من اضرار كان عنوانها الفوضى والسعي الى تحقيق وجني الارباح دون النظر الى مصالح المجتمعات، فكان ما كان من انهيار لكبرى المجموعات المالية والمصرفية في الولايات المتحدة الاميركية وتلاها اوروبا، والاضرار التي ما تزال ترزح تحتها العديد من دولها مثل اليونان والبرتغال واسبانيا.
تطرقنا لهذا النوع من الصناديق هو بدافع الحديث عن التوافق والتطابق مع صناديق الاستثمار الاسلامية التي بدأت بجذب العديد من المستثمرين غير المسلمين وذلك لتطلعهم للاستثمار في مجالات تخدم الصالح العام وتجنب كل الاستثمارات التي يكون الاساس فيها غير اخلاقي ويضر بالمجتمع بشكل مباشر او غير مباشر؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر ظهور «صندوق باكس العالمي» في مطلع السبعينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الاميركية والذي تجنب الاستثمار في القمار والكازينو وبعض الاستثمارات غير المقبولة اخلاقيا في حينها، حيث التقى في هذا الصندوق مستثمرون اسلاميون وغير اسلاميين لكنهم جميعا متفقون على تجنب اي استثمار يتعارض مع المبادئ الاخلاقية، لهذا يمكننا القول ان ثقافة الاستثمار الاخلاقي ليست وليدة اليوم ويمكن ان تشترك بها شعوب وامم مختلفة لا تجمعهم ديانة او هوية واحدة، كون الأخلاق والمبادئ قيما إنسانية تتشارك في العديد منها شعوب الارض، ما يؤكد الأرضية المشتركة بين المبادئ المالية الإسلامية وفلسفتها الاخلاقية، مع رغبة المستثمرين الراغبين في ان تكون استثماراتهم مبنية على الاسس والمبادئ الاخلاقية التي تتمتع بالشفافية الكاملة في اختيار المشاريع او القطاعات الاقتصادية التي تلبي رغبتهم.
وامام التوسع والانتشار السريع للصناعة المصرفية الاسلامية والاهتمام الواسع بها وخاصة من اهم العواصم العالمية مثل لندن وباريس ومدريد وطوكيو واخيرا بون آخر من التحق بها، واهتمامهم بالادوات المالية التي تتعامل بها هذه الصناعة والتي تحمل رسالة اخلاقية مستمدة من الشريعة الاسلامية، واننا مطالبون بالحرص الشديد في بذل المزيد من الجهود لتعميق الوعي المالي والمصرفي بهذه الصناعة ووضع استراتيجية تسويقية ذات بعد دولي لكسب المزيد من الاسواق المصرفية والاستثمارية الجديدة، كما اننا مطالبون في توسيع قاعدة البحث العلمي في هذا القطاع لابتكار ادوات مالية جديدة تتطابق مع الفلسفة الاسلامية وتلبي رغبات المستثمرين من غير المسلمين، وذلك من اجل المحافظة على مكتسبات هذه الصناعة وما تحقق إنجازه.
جريدة الغد