المرابحة ماهيتها وتعريفها ووظيفتها في عمليات التمويل الإسلامي
يشير باحثون ومختصون في عالم الصيرفة الإسلامية إلى أن مفهوم المرابحة يعني اتفاقا على التبايع بثمن يوازي رأس المال الأصلي، أي سعر التكلفة، زائداً الربح، بمقدار مقطوع محدد أو بنسبة مئوية معينة، ويجوز أن يكون الشراء بأمر موجه من طالب سلعة معينة، مقترن بوعد بشراء ما أمر به، بشرط نفاذ عقد البيع الأول الذي يثبت به التملك والقبض، ثم يتبعه نفاذ عقد البيع الثاني الذي تنتقل به ملكية المبيع أخيراً للطرف الآمر بالشراء.
والمرابحة نوعان: عادية، وللآمر بالشراء, أما بيع المرابحة العادية: فهي بيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح متفق عليه، وتتكون من طرفين هما: البائع والمشتري، من غير وجود وعد سابق بشرائها، ثم يعرضها بعد ذلك للبيع مرابحة وربح يتفق عليه. وهي أحد عقود بيوع الأمانة المشروعة باتفاق الفقهاء. وأما بيع المرابحة المقترنة بوعد أو للآمر بالشراء: فهو البيع الحاصل بناء على إبداء شخص رغبته بشراء سلعة بمواصفات معينة، مع وعد بالشراء، وقبول بدفع ربح معين. ويتكون من ثلاثة أطراف: البائع، والمشتري، والبنك المستثمر أو التاجر الذي يكون وسيطاً بين البائع الأول والمشتري ولكن لا يقدم البنك على شراء السلعة إلا بعد إعلان المشتري رغبته فيها، وإصدار وعد سابق بالشراء، ويقال للعميل الراغب بالشراء: الآمر بالشراء.
ويعتقد أن أول من صرح بمشروعية هذا النوع هو الإمام الشافعي في كتابه “الأم” حيث قال فيه: “وإذا رأى الرجل الرجل السلعة، فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل فالشراء جائز، والذي قال: أربحك فيها، بالخيار: إن شاء أحدث فيها بيعاً وإن شاء تركه. وهكذا إن قال: اشتر لي متاعاً، ووصفه له، أو متاعاً أي متاع شئت، وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء يجوز البيع الأول، ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار. ويظهر من هذا النص الفقهي أن العميل هو الذي عرض على البائع اشتراء السلعة وضم ربح فيها. ولا يلزم بهذا، ويظل مختاراً في شراء هذه السلعة بعد شرائها من البائع بين شرائها من جديد وبين ترك الشراء. والمصارف الإسلامية في هذا لهم طريقان: إما الأخذ بالمرابحة على هذا النحو الذي قرره الإمام الشافعي، دون إلزام بالوعد، وبقاء الخيار لراغب الشراء بين إبرام البيع أو عدم إبرامه.
المرابحة المصرفية
تعتبر المرابحة المصرفية، توسط البنك لشراء سلعة بناء على طلب الزبون ثم بيعها له بالآجل بثمن يساوي التكلفة الكلية للشراء زائداً ربح معلوم متفق عليه بينهما. بينما تعتبر التكلفة الكلية للشراء، ثمن شراء السلعة مضافاً إليه كل النفقات التي يدفعها البنك لحيازة السلعة، مطروحاً منه أي حسم (خصم) يحصل عليه البنك من البائع. وبالتالي يكون مبلغ المرابحة عبارة عن التكلفة الكلية للشراء زائداً ربح البنك.
ووفقاً للدكتور علي محيي الدين القره داغي عميد كلية الشريعة بقطر، فإن المرابحة نوعان، هما المرابحة العادية، والمرابحة للأمر بالشراء التي تجريها البنوك الإسلامية. فالنوع الأول هو عبارة عن أن يكون لدى التاجر بضاعة فيأتي شخص إليه فيقول: أريد أن أشتري هذه البضاعة بالثمن نفسه الذي اشتريتها به مع ربح 10% مثلا، فيوافق التاجر على ذلك، فهذه المرابحة العادية التي تكون البضاعة جاهزة عند التاجر ويبيعها بالثمن الذي قامت عليه البضاعة مع ربح معلوم، وهذه المرابحة جائزة بالإجماع ولا خلاف ولا شبهة فيها، وهي كانت موجودة منذ عصر الرسول (ص). أما النوع الثاني، أي المرابحة للأمر بالشراء، فتتكون من عدة خطوات:
1) يأتي العميل ويطلب من البنك أن يشتري له سيارة أو بضاعة، ويتعهد بأنه في حالة تنفيذ البنك هذه العملية أنه سيشتريها.
2) يقوم البنك بشراء تلك البضاعة أو السيارة وتقبضها وتدخل في ملكية البنك.
3) ثم يقوم البنك ببيع تلك البضاعة أو السيارة للعميل الآمر بالشراء بالثمن ونسبة ربح معلوم، فلنفرض أن البنك قد اشترى سيارة 100ألف فيبيعها له 110آلاف مقسطة على أقساط شهرية أو نحو ذلك.
فهذا النوع من المرابحات جائز أيضا، عند جمهور الفقهاء المعاصرين؛ لأنه عقد مشروع ليس فيه محظور شرعي إذا توافرت الشروط المطلوبة.
أما المشاركة: فهي عبارة عن مشاركة شخصين أو أكثر بأموال متساوية أو مختلفة على أن يكون الربح حسب المال عند الشافعية والمالكية أو حسب الاتفاق عند الحنفية والحنابلة، ويكون للشركاء الحق في الإدارة، كما أن لبعضهم الحق في التنازل عن الإدارة والاكتفاء بالشراكة المالية فقط. بينما تعتبر المضاربة، مشاركة بين العمل والمال، يكون المال من طرف والعمل والخبرة من الطرف الثاني، على أن يكون الربح بينهما حسب الاتفاق، وصاحب المال في المضاربة ليس له الحق في التدخل ولكن له الحق في فرض شروط ملائمة أو مناسبة للعقد هي جائزة بالاتفاق.
و يعتبر الدكتور موسى ادم عيسى ان المرابحة في المصارف الإسلامية بديل عن القروض الشخصية حيث يحل البنك محل العميل في شراء مختلف احتياجاته من السلع. والمرابحة وفقاً لوجهة نظره نوع من بيوع الأمانة، وهي بيع برأسمال المبيع مع زيادة ربح معلوم ومن شروطها معلومية رأس المال الذي قامت به السلعة ومعلومية الربح، وتتميز عكس التقسيط بالإفصاح عن التكلفة والربح.
وتمر المرابحة بأربع مراحل هي مرحلة الطلب والتملك والحيازة ثم البيع بحيث يقوم البنك بالتعرف على السلعة (نيابة عن العميل الطالب لها) لتحديد ثمنها والجهة التي توفرها ودراسة مقدرة العميل دراسة ائتمانية لمعرفة مقدرته على السداد لاتخاذ قرار تمويل العميل المشتري لهذه السلعة مع اشتراط الوعد بالشراء وبالإضافة لدراسة هامش الجدية للعميل قبل مرحلة البيع وإلا وضعه على القائمة السوداء في قائمة البنك في حال نكث بوعد الشراء وخصم هامش الجدية الذي قام العميل بتسديده للبنك قبل مرحلة البيع.
فالمرابحة وفقاً لكثيرين عبارة عن بيع ما ملكه بما قام عليه وبفضل، بمعنى أنه يبيع السلعة للمشتري بالثمن الذي أشتراها به وبزيادة عليه. وهذه الزيادة هي الربح . ولذلك سمي بيع المرابحة. وشروطها شروط البيع من حيث كون المبيع مباحا، طاهرا، منتفعا به مملوكا لصاحبه مقدورا على تسليمه للمشتري. وتعتبر المرابحة عقداً، على أساس التكلفة، مضافاً له الربح. حيث يطلب المستورد من الوسيط (عادة ما يكون مؤسسة مالية) التوسط لشراء السلعة أو المواد، نيابة عنه، مع الأخذ في الاعتبار أن المستورد سيشتري السلعة من الوسيط طبقاً لشروط متفق عليها من قبل (أي أن هامش الربح وشروط الدفع يتفق عليها سلفاً). ويقوم الوسيط عادة بالدفع للبائع فورياً، ويستلم الثمن من المشتري (المستورد) خلال مدة الدفع الآجلة، علماً بأن السعر الذي يدفعه المشتري (المستورد) يشتمل على هامش ربحي للوسيط.
والمرابحة نوعان.. الأولى تعرف ببيع المرابحة. وبيع المرابحة نوع من بيوع الأمانة وذلك أن البيع ينقسم إلى مساومة وأمانة، والمساومة هو البيع الذي يتفاوض فيه الطرفان ثم يتفقان على شروط البيع دون النظر إلى الثمن الأول الذي اشترى به البائع السلعة. أما بيع الأمانة فهو بيع مرتب بالضرورة على معرفة ثمن البيع. وينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: التولية: إذا ما تولى المشتري المبيع برأس ماله فقط. والوضعية: إذا ما حط أو وضع المشتري شيئا من رأس المال. والمرابحة: أما إذا اشتراه برأس ماله مع زيادة ربح مسمى فيسمى بالمرابحة. ولذلك عرفت المرابحة بأنها بيع بمثل رأس مال المبيع مع زيادة ربح معلوم ويشترط في المرابحة من هذا النوع أن يكون المبيع مملوكا للبائع.. وتمارس البنوك الإسلامية هذا النوع من البيع عن طريق الشركات التجارية التابعة لهذه البنوك.. وعن طريق تصفية المشاركات التي تدخل فيها البنوك مع عملائها. وهذا النوع من المرابحة متفق على صحته بين الفقهاء وليس بينه وبين بيع المساومة فرق سوى أن السلعة المبيعة – سواء كان الربح نسبة منسوبة لرأس المال أو قدرا مسمى فوق رأس المال.. بينما لا يشترط معرفة رأس المال لتحديد الثمن الكلي في المساومة.. والنوعان من البيع صحيحان باتفاق.
المرابحة و آفاق التنمية
يؤكد الدكتور وهبة الزحيلي على أن هناك مستوى متميزا من النجاح حققته المصارف الإسلامية عن طريق المرابحة، يعد دليلاً جديداً على صلاحية تطبيق الشريعة الإسلامية في كل زمان ومكان، حيث تحققت حاجات الناس في التعامل، وأدى ذلك إلى تنشيط الاستثمار والتنمية، فاستفاد واضعو الودائع الاستثمارية من تشغيل أموالهم بطرق مشروعة، كما استفاد المشتري من تسديد أقساط البيع على فترات زمنية في المستقبل، حيث يوجه تشغيل مدخرات أمواله الباقية في مشاريع أخرى صناعية وتجارية وزراعية ونحوها، وذلك بأن تقوم المصارف الإسلامية التي تستخدم أسلوب بيع المرابحة المقترنة بوعد بالشراء من المشتري، بشراء السلع حسب المواصفات التي يريدها العميل، ثم تبيعها مرابحة للواعد بالشراء بمقدار ثمنها الأول، مضافاً إليه التكلفة المعتبرة شرعاً، وضم هامش ربح متفق عليه سلفاً بين الطرفين.
مع العلم أن أغلب المصارف الإسلامية اتجهت إلى العمل بإلزام الوعد من العميل، وهو ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم (40-41) 1988م ونصه: أولاً: إن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالبيع الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه. ثانياً: الوعد، وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد -يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم بقضائه إذا كان معلقاً على سبب، ودخل الموعد في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
ثالثاً: المواعدة، وهي التي تصدر من الطرفين، تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين، كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار، فإنها لا تجوز، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع، حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي عن بيع الإنسان ما ليس عنده. وما يستحق الذكر أن عدة مؤتمرات مصرفية إسلامية، تم عقدها تضمنت إقرار العمل بالمرابحة للآمر بالشراء، منها مؤتمر المصرف الإسلامي الأول في دبي عام 1979م ونص فتواه ما يأتي: يطلب المتعامل من المصرف شراء سلعة يحدد جميع أوصافها، ويحدد مع المصرف الثمن الذي سيشتريها به وكذلك الثمن الذي سيشتريها به المتعامل من البنك بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما. وكانت التوصية: إن مثل هذا التعامل يتضمن وعداً من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعداً آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقاً للشروط.
إجراءات المرابحة
يبدو أن هناك نوع من اتفاق على أن المرابحة نوعان: محلية وخارجية: وإجراءات المرابحة المحلية هي: مرحلة العرض، حيث يحدد الراغب في الشراء مواصفات السلعة التي يريدها ويطلب من البائع أن يحدد ثمنها، فيرسل البائع فاتورة عرض أسعار محددة بوقت معين. وإنجاز الوعد، حيث يصدر الراغب في الشراء وعداً بشراء السلعة من البنك مرابحة، بتكلفتها، مع زائد الربح المتفق عليه، فيدرس البنك المطلوب ويحدد الشروط والضمانات المطلوبة للموافقة، إبرام البيع الأول: يعبر البنك للبائع عن موافقته على شراء السلعة، ويدفع الثمن حالاً أو حسب الاتفاق، فيعلن البائع الأصلي موافقته على البيع ويرسل فاتورة الشراء. تسلم السلعة: يرسل البائع السلعة إلى مكان التسليم المتفق عليه. فيقوم البنك أو وكيله بتسلم السلعة. إبرام المرابحة: يتم إبرام المرابحة بين البنك والراغب في الشراء بحسب الاتفاق الحاصل في وعد الشراء.
أما إجراءات المرابحة الدولية فهي: اتفاق مبدئي بين الواعد بالشراء وبين البنك الإسلامي على توفير السلعة للواعد. وتوكيل الواعد بالشراء بإبرام العقد مع البائع المصدر للسلعة، أو يتم تعاقد البنك مباشرة مع بائع السلعة. وفتح اعتماد مستندي لدى البنك الممول أو لدى بنك آخر لتغطية ثمن السلعة. وتسلم البنك الممول مستندات التعاقد باسمه ثم تظهير مستندات الشحن للواعد، لتخليص السلعة من الميناء وتسلمها لنفسه. وقيام البنك الممول بدفع الثمن مباشرة للبائع المصدر. وحيازة البنك للسلعة بالقبض الحقيقي أو الحكمي (تسلم مستندات الشحن) وتأمين المبيع وتحمله تبعة الهلاك. وبيع السلعة للواعد بالشراء من طريق المرابحة (الثمن الأصلي وزيادة ربح). وتسجيل المبيع باسم العميل بعد حصول البنك على ضمانات كالرهن.
و من الجدير بالذكر أن المصرفية الإسلامية ليست عملا خيريا ولا أعتقد أن البنوك العالمية تقرها كونها خالية من الربا ولا نتوقع أن نجاح تطبيقات المصرفية الإسلامية في العالم يعود إلى مرجعيتها الإسلامية بل إلى ربحيتها العالية مقارنة بالمصرفية التقليدية. المصرفية الإسلامية تختلف عن التقليدية في نوعية خدمات العمليات الائتمانية التي يقدمها البنك الإسلامي فهناك المضاربة والمرابحة والإجارة والاستصناع والسلم والقرض الحسن وغيرها.
الرياض